وإذا انتقلنا إلى مسألة الأخلاق، وجدنا أن عندنا تقصيراً عظيماً، وأننا نعاني من عيوب كبيرة في مسألة الأخلاق، فتجد الجبن والكذب والبخل؛ هذه ثلاثة من أسوأ الأخلاق، موجودة عند الكثيرين، أو يكون في النفوس نصيب من كل خلق سيئ من هذه الأخلاق.
النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة حنين أو بعد غزوة حنين لما جاء هوازن يطلبون نساءهم وأبناءهم وأموالهم قال: (يا أيها الناس! ردوا عليهم نساءهم وأبناءهم الحديث) ثم ركب راحلته وتعلق به الناس يقولون: اقسم علينا فيئنا حتى ألجئوه إلى سمرة فخطفت رداءه عليه الصلاة والسلام، فقال: (يا أيها الناس! ردوا علي ردائي، فوالله لو أن لي بعدد شجر تهامة نعماً لقسمته عليكم، ثم لا تلقوني بخيلاً ولا جباناً ولا كذوباً) حديث صحيح رواه أحمد والنسائي عن ابن عمرو رضي الله عنهما.
فإذاً هذه ثلاثة من أسوأ الأخلاق: الجبن والبخل والكذب، وهي موجودة ومنتشرة ومتفشية.
وكذلك فإن مما يبلغ بالسوء غايته أن يجعل الإنسان شعار التدين، ويكون في حال من التمسك بالظاهر لبعض السنن وتحدث منه أو تبدو منه هذه الأخلاق التي تدل الناس على شيء من الازدواجية التي يعاني منها هذا الشخص، أو مظهر من مظاهر النفاق ولا شك.
قضية الكلام الفاحش من سوء الخلق، ولعن من لا يستحق اللعن، وهذه قضية منتشرة، والغيبة والنميمة التي صارت فاكهة المجالس، وكثير من الذين يعظون في الغيبة يقعون فيها، والسلف رحمهم الله كانوا يحاسبون أنفسهم على الكلمات، التي قد تبدو عادية لبعض الناس فكانت عندهم ذات شأن.
عن مالك بن ضيغن قال: جاء رباح القيسي يسأل عن أبي بعد العصر، فقلنا: إنه نائم، فقال: أنوم هذه الساعة؟ ثم ولى منصرفاً، فأتبعناه رسولاً يذهب وراءه فقلنا: قل له: ألا نوقظه لك؟ فأبطأ علينا الرسول، ثم جاء وقد غربت الشمس، فقلنا: أبطأت جداً، فقال: هو أشغل من أن يفهم عني شيئاً، أدركته يدخل المقابر وهو يعاتب نفسه ويقول: أقلت: أنوم هذه الساعة؟ أفكان هذا عليك؟ ينام الرجل متى شاء وقلت هذا وقت نوم؟ وما يدريك أن هذا ليس بوقت نوم؟! ثم قال مخاطباً نفسه: تسألين عما لا يعنيك وتتكلمين بما لا يعنيك.
هذا على كلام يبدو عادياً جداً عند بعضنا، ومع ذلك كانوا يحاسبون أنفسهم على هذه الأشياء.