ونأتي الآن أيها الإخوة إلى نقطة مهمة من النقاط؛ وهي أن الإمام أحمد على ورعه وعلى خوفه من الظلم كان إذا طلبت منه الشهادة في أشخاص معينين أتى بها، وبعض الناس اليوم قد يسأل عن فلان من الناس، وهذا فلان قد يكون ذائع الصيت وقد يكون مشهوراً، وفلان هذا له أخطاء، وقد يتأثر السائل بأخطائه، يقول: لا، أنا أتحرج أن أتكلم، ولا أستطيع أن أطعن بأناس عظماء، هؤلاء ناس منهم من عذب في ذات الله، ومنهم من ابتلي، أنا لا أستطيع أن أتكلم فيهم، الإمام أحمد رحمه الله كان لا يمنعه ورعه أن يشهد بالحق على الناس، ولما طلب منه تعيين أسماء للقضاء هل تصلح أو لا تكلم عليها بما تستحقه.
سئل أحمد بن حنبل عن أحمد بن رباح فقال فيه: جهمي معروف بذلك، وإنه إن قلد شيئاً من أمر المسلمين كان ضرراً على المسلمين؛ لما هو عليه من مذهبه وبدعته، وسئل عن ابن الخلنجي فقال فيه أيضاً مثلما قال في أحمد بن رباح، وذكر أنه كان من شرهم وأعظمهم ضرراً، وسألته عن شعيب بن سهل، فقال فيه: جهمي معروف بذلك، وسألته عن المعروف ب أبي شعيب فقال فيه: إنه جهمي معروف بذلك، وسألته عن ابن الثلجي فقال: مبتدع صاحب هوى، وابن الثلجي هذا حنفي دافع عنه زاهد الكوثري في بعض كتبه، وزاهد الكوثري من أعيان المبتدعة في هذا العصر، وقد مات، وتأثر به كثيرون، فدافع عن ابن الثلجي وقال: لعل طعن أحمد فيه مشكوك فيه، ولعل الرواية فيه غير صحيحة وهذا ليس بكذا لماذا؟ دفاعاً عن المبتدعة، والإمام أحمد يقع فيهم.
فإذاً، منهج الورع لا يمنع أن يقول الإنسان بالعدل {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} [الأنعام:152] والإنسان إذا طَلَبَ رأيك في شخص وأنت تخاف أن يتأثر به هذا السائل فلا بد أن تبين له السلبيات التي هي فيه، وهذه المسألة فيها مزلقٌ خطير، يعني: بعض الناس يُسأل عن شخص، وهذا الشخص فيه عيب لكن لا يتأثر به كأن يكون عيباً خفياً، يعني: واحد عنده أخطاء لكن لا يتأثر الناس بها؛ لأن أخطاءه في بيته أو في شخصه، فيأتي واحد يقول: فلان فيه كذا وكذا وكذا، تقول: يا ابن الحلال اتق الله لماذا تطعن في فلان؟ يقول: الجرح والتعديل، فصار باب الجرح والتعديل مفتوحاً على مصراعيه كل واحد يتكلم كيف يشاء، وأحياناً تجد الناس بين إفراط وتفريط، إما أن تجده يطعن في أناس صالحين، أو يذكر سلبيات لا داعي لذكرها ولا حاجة لذكرها، أو تجد واحداً يسكت على فلان وعلى أخطائه ولا يغير، ولا يعترف بخطئه؛ لأنه يقدس ويعظم هذا الشخص، كلاهما بلية ابتلي بها كثيرٌ من المسلمين، وحتى من الناس الذين يدعون القيام بدين الله وحمل لواء الإسلام.
وعن عبد الله بن محمد الوراق قال: كنت في مجلس أحمد بن حنبل فقال: من أين أقبلتم؟ قلنا: من مجلس أبي كريب، فقال: اكتبوا عنه الحديث فإنه شيخ صالح، فقلنا: إنه يطعن فيك -يعني يتكلم عليك- قال: فأي شيء حيلتي شيخ صالح قد بلي بي، أي: ابتلاه الله عز وجل بأن يطعن علي ماذا أفعل له، لكن اكتبوا حديثه، هل هناك عدل مثل هذا؟ مقارنة بكثير من المسلمين اليوم قد تجد اليوم واحداً من الناس إذا سئل عن فلان وقد يكون عالماً، أو من أهل العلم، أو طالب علم ينفع الناس، فيقول: لا، لا تأخذ عنه حرفاً، ولا تحضر مجالسه، ولا تستمع له! وذلك لأن بينه وبينه خلافات شخصية! نقول: حتى لو كنت محقاً في خلافاتك الشخصية مع هذا الرجل، لكن العدل أن تقول للناس: اسمعوا له، واحضروا له، حتى لو كان بينك وبينه خلاف شخصي، ما دام أنه لا يقول ببدعة، ولا يدعو الناس إلى بدعة، وليس عنده أخطاء في الأصول، أو ليس عنده أشياء يضل الناس بها، أو يفتي بغير علم.