وفعل الصديق رضي الله عنه مقتضى حديث (من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها، فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه).
إذا حلف على شيء، ثم رأى أن الخير مخالفة اليمين، فرجع إلى الخير وأكل، لماذا حرم الطعام على نفسه؟ ليس لشيء من الطاعة، إذاً يخالف يمنيه ويأكل.
وخصوصاً أنه قد رأى الطعام فيه بركة، ما ترفع لقمة إلا ويخرج من أسفلها عوضاً عنها أو أكثر.
إذاً: الأكل من الطعام المبارك طيب، ولذلك رجع الصديق إلى البر وأكل لما رأى البركة ظاهرة رضي الله عنه، لتحصل له البركة بالأكل من ذلك، وليعود السرور إلى الجميع، ولينفك الشيطان مدحوراً، فحنث في يمينه رضي الله تعالى عنه.
أما بالنسبة للتكفير، فإن التكفير في مثل هذه الحالة واجب، لكن كونه ما نقل، لا يعني أنه ما حصل، لكن لو فرضنا أنه ما حصل، فلابد أن نحمل اليمين على حمل معين كأن يقول: حلف مدة معينة ألا يأكل منها مثلاً، أو لا يأكل مع الضيوف ثم أكل بعدهم مثلاً ونحو ذلك، وفي الحالة العادية لو أن واحداً حلف مثل هذا الحلف ألا يأكل من الطعام، ثم أكل، فإنه تلزمه كفارة اليمين.
الآن هذه الجفنة التي فيها الطعام المبارك، ماذا فعل الصديق بها بعد أن طعم أهله وطعم الضيوف؟ حملها وذهب بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأصبحت عنده على حالها.
فقال: ففرقناها اثني عشر رجلاً مع كل رجل منهم أناس، كل واحد من الاثني عشر معه جماعة، فأكلوا منها أجمعون، أي: بعدما ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فرقت الجفنة على اثني عشر رجلاً مع كل رجل مجموعة، والواحد من الاثني عشر هذا مثل العريف أو النقيب يأخذ نصيب جماعته، فكل واحد من الاثني عشر أخذ نصيب جماعة معه أكلوا كلهم وشبعوا منها.
فمعنى ذلك أن هذا الجيش أكل من تلك الجفنة التي أرسلها أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبذلك يكون وقع تمام البركة وحصل من التداول إلى قريب الظهر، يأكل قوم ثم يقومون، ويجيء قوم فيتعاقبون كما جاء في رواية: (حتى إن رجلاً قال: هل كانت تمد بطعام؟ -هل جاء أناس يزيدون عليها- فقال الذي حضر: أما من الأرض فلا، إلا أن تكون كانت تمد من السماء).