فاحترام وجهة نظره ورأيه بل والأخذ به إذا لم يكن هناك حرج، كاختيار المطعم، أو أدوات اللعب، أو مكان الدراسة ونحو ذلك، وبعض الدعاة يخطئون ويعاملون المدعو كأنه طفل فلا يقيمون لرأيه وزناً، وينصب نفسه ولياً لأمره ويريد منه ألا يقطع أمراً دونه، أو يشعر المدعو بأنه مراقب ومتتبع، وأن تصرفاته محسوسة وأنفاسه معدودة، وأنني أعرف ماذا تفعل، هذا يضايق كثيراً من الناس المدعوين، أو أن يزوره زيارة مفاجئة لم يكن مستعداً لها، أو أن يعمل له في عرض الكلام نغزات وقفشات ربما تسبب له نفوراً كبيراً، بينما يظن الداعي أن هذا من الحكمة، وأن هذه دقات مناسبة، فيتباهى، أو أنه يتخذها له تخصصاً في الكلام مع المدعو فيفسد إفساداً كثيراً.
ومن الأمور المضايقة: المحاسبة غير الشرعية، مثل أن يقول له: تعال، ماذا صليت اليوم من السنن؟ وكم سبحت؟ وهل تركت وهل فعلت؟ لست رقيباً على الناس بهذا، فالله رقيبهم وحسيبهم، ولكن أنت تدعوهم إلى الإسلام وإلى الإيمان وإلى شعائر الخير، والله يحصي أعمالهم ولست أنت الذي تحصي أنفاسهم.
والإنسان بطبعة مفطور على النفور من الإكراه والإلزام، وكل أحد يحب أن يفكر بحرية، ويختار بحرية، ويعمل بحرية، وحين يشعر أن الأفكار أو الأعمال تملى عليه إملاءً قسرياً دون أن يكون هناك اختيار؛ تصد نفسه ويحجم عن قبول الفكرة أو الاستجابة لأمر الداعية أو نهيه، قبل أن يفكر حتى في سلامة الفكرة أو صحتها ونفعها.
ولكن عندما تتسلل إليه الفكرة تسللاً يتوهم المدعو منه أنه هو صاحب الفكرة، تكون دوافعه ذاتية وتطيب نفسه بالتطبيق وتسمح بالاستجابة، فالإقناع والترغيب والترهيب وإيضاح الاختيار، حتى الله عز وجل يقول في القرآن: {مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} [الفرقان:57]، {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير:28].
فتقول له: أنا لا أكرهك، أنا لا أجبرك، أنا لا أقسرك، يقول الله: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:99] وهذا نوح يقول لقومه: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} [هود:28].