لماذا سميت الدنيا بالدنيا؟ الدنيا من الدنو، الدنيا عكس العليا، ونحن نعيش في هذه الحياة الدنية الناقصة القصيرة الفانية، ولذلك فإن نظر المسلم يتطلع دائماً وأبداً إلى الآخرة ولا ينشغل بما في هذه الدنيا من الزخارف، إن الدنيا حلوة خضرة حتى لا يقول أحد: إن الدنيا ليس فيها متاع ولا بهرج، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الدنيا حلوة خضرة) أي: أن فيها فتناً وملذات وجمالاً وما يشغل ويلهي (إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله تعالى مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء) رواه مسلم.
ولقد مثل لنا النبي صلى الله عليه وسلم الحياة الدنيا بالنسبة للآخرة بمثل عجيب، فقال عليه الصلاة والسلام: (ما الدنيا في الآخرة إلا كما يمشي أحدكم إلى اليم فأدخل إصبعه فيه فما خرج منه فهو الدنيا) اغمس إصبعك في البحر ثم أخرجه فما علق به من النداوة هو نسبة الدنيا إلى الآخرة.
كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على أن يحرر الأمة من أسر الدنيا ويقول لهم: (إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، وعالماً أو متعلماً) فالذي في الدنيا ملعون لأنه يشغل عن طاعة الله إلا ما كان من طاعة الله، إلا ذكر الله وما والاه ولو كان نكاحاً يستعين به على العفة، أو مالاً يستعين به على الصدقة والصلة والنفقة الواجبة، أو راحة يقوم بعدها للعبادة، إلا ذكر الله وما والاه وما كان تابعاً له وما خدمه، أو عالماً ومتعلماً.
وكان النبي عليه الصلاة والسلام يضرب المثل القولي والفعلي للدنيا (فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة بالعالية -وهي ناحية في المدينة - فمر بالسوق فمر بجدي أسك -صغير الأذن- ميت فتناوله فرفعه فقال: بكم تحبون أن هذا لكم؟ قالوا: ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به، والله لو كان حياً لكان عيباً فيه أنه أسك فكيف وهو ميت؟! قال عليه الصلاة والسلام: فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم) رواه الإمام أحمد وهو حديث صحيح.