حال أهل الغدر يوم القيامة

وأما أهل الغدر الذين يخونون، قال عليه الصلاة والسلام: (لكل غادرٍ لواء عند استه يوم القيامة) والاست: الدبر، عند دبره في أقبح موضع يرفع له لواء، وفي رواية لـ مسلم: (يعرف به يقال: هذه غدرة فلان بن فلان)، وفي رواية لـ مسلم أيضاً: (يرفع له بقدر غدره) يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا ولا غادر أعظم غدراً من أمير عامةٍ) وذلك لأن غدره عامٌ، فكل من عقد عقداً، ثم خان العقد وغدر بالمعقود له فإنه غادر: (كل من خدع غيره وهو آمن من جهته فإنه غادر) والذين يغيرون عقود العمال بعد وصولهم ويأخذونها منهم فيتلفونها وينقصون قدرها، فهم من هؤلاء الغادرين، (وكذلك من أمنه صاحبه فجاءه من جهته، وهو يأمنه جاءه بشرٍ فهو غادر)، وكذلك الذين يتلاعبون بالأموال العامة ويسرقون منها، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الغلول فعظمه، وعظم أمره كما في صحيح مسلم، ثم قال: (لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعيرٌ له رغاء، يقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، لا ألفينَ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرسٌ له حمحمة -صوت الفرس- فيقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء، يقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، لا ألفينَ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفسٌ لها صياح، فيقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاعٌ تخفق -والمراد بها الثياب المغلولة من الغنيمة قبل القسمة- فيقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامتٌ -وهو المال من الذهب والفضة- فيقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك) هذه عاقبة السرقة من أموال المسلمين العامة، وكذلك يقول عليه الصلاة والسلام في هذا الموضوع أيضاً: (إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة) رواه البخاري، وفي رواية للترمذي: (ورب متخوضٍ فيما شاءت به نفسه من مال الله ورسوله ليس له يوم القيامة إلا النار) حديث حسن صحيح.

قال الشُّراح: (يتخوضون في مال الله) أي: يتصرفون في مال المسلمين بالباطل، وقوله: (من مال الله) أقيم مقام المضمر إشعاراً بأنه لا ينبغي التخوض في مال الله ورسوله بمجرد التشهي، والتصرف في مال الله بما لا يرضاه، أي: يتصرفون في بيت المال، ويستبدون بمال المسلمين، فيما شاءت أنفسهم، أي: فيما أحبته والتذت به، كما قال المباركفوري رحمه الله في تحفة الأحوذيشرح جامع الترمذي: "فالحذر الحذر رحمكم الله من الاعتداء على مال المسلمين العام، لا تأخذ منه شيئاً فإن الله بالمرصاد يوم القيامة".

نسأل الله تعالى أن يسلمنا أجمعين من أهوال موقف ذلك اليوم العظيم، وأن يسترنا بستره، وأن يعفو عنا بعفوه.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015