ومن أجل ذلك -أيها الإخوة- كان من مقتضيات الولاية لله: تحمل الأذى في سبيل الله؛ لأن هذه الولاية ستكلفك أشياء عظيمة؛ قد تكلفك حياتك قد تكلفك مالك وابتعادك عن أرضك، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والترمذي عن أنس: (لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد -من أجل الله، من أجل الولاية في الله؛ لأني أوالي الله- وأخفت في الله وما يخاف أحد -لا أحد أوذي مثلما أوذي الرسول صلى الله عليه وسلم- ولقد أتت عليَّ ثلاثون من بين يومٍ وليلة، ومالي ولـ بلال طعامٌ يأكله ذو كبدٍ إلا شيءٌ يواريه إبط بلال) شيء يسير جداً، خلال ثلاثين يوماً والرسول صلى الله عليه وسلم لا يجد طعاماً، من أجل ولاية الله حوصر الصحابة في الشعب، كان أحدهم يأكل جلد بعيرٍ قديم قد ارتد رشاش بوله عليه يأخذه فينقعه في الماء يغسله فيأكله، أكلوا أوراق الشجر حتى تقرحت أفواههم وشفاههم لماذا؟ من أجل ماذا؟ من أجل أي شيء؟ من أجل ولاية الله سبحانه وتعالى، هذه المعاني التي تميعت عند المسلمين اليوم.
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، وارزقنا ولايتك ونصرتك يا أرحم الراحمين.
وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله الذي لا إله إلا هو سبحانه وتعالى، له الأسماء الحسنى فادعوه بها، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي والى في الله وعادى في الله، وجمع الأمة على سبيل الله، وجاهد في الله حق جهاده، وعلَّمنا معاني الولاء والبراء، حتى تركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
ومن أجل الولاية في الله تغرب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأوطان، ولاقوا في أسفار الهجرة الأَّمرين، تحملوا ألم الغربة والفقر، وعدم وجود المأوى من أجل الله سبحانه وتعالى، وهذا مثالٌ من الأمثلة: روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي موسى رضي الله عنه قال: (بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بـ اليمن في أدنى الجزيرة، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم، في ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلاً من قومي) هجرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله عز وجل من اليمن قاصدين الرسول صلى الله عليه وسلم (فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي في الحبشة) ركوب البحر كان خطيراً في ذلك الوقت، تحملوا هذا الخطر، لعب الموج بهم ثم ألقاهم في أرض الحبشة (فوافقنا جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وأصحابه عنده -وكان جعفر قد هاجر من مكة إلى الحبشة بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم- فقال جعفر لـ أبي موسى) لأخيه في الدين لصاحبه في الطريق الذي لم يره من قبل، جمعه وإياه في أرض الغربة الولاية في الله، ما رآه من قبل، مجرد ما التقى به أحس أنه وإياه شيٌ واحد، هذه الولاية في الله، الانصهار في بوتقة الأخوة التي تجمع الناس على طريق الله.
فقال جعفر: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا هاهنا وأمرنا بالإقامة فأقيموا معنا، قال: فأقمنا معه حتى قدمنا جميعاً إلى المدينة بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر فأسهم لنا -أعطانا من غنائم خيبر مع أنهم لم يشهدوا فتح خيبر وكانوا فقراء- فكان أناس من الناس يقول لنا -أي: لأهل السفينة، المهاجرين- نحن سبقناكم بالهجرة، قال: فدخلت أسماء بنت عميس -وهي ممن قدم معنا- على حفصة زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم بنت عمر، في يوم من الأيام دخل عمر على حفصة وأسماء بنت عميس عندها، فقال عمر: من هذه؟ فقالت حفصة: أسماء بنت عميس، فقال عمر: الحبشية هذه، البحرية هذه، فقالت أسماء: نعم، فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم، فغضبت -وقالت كلمة تركتها الآن- ثم قالت: كلا والله، كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا في دار أو في أرض البعداء والبغضاء -في أرض الحبشة - وذلك في الله وفي رسوله صلى الله عليه وسلم وأيم والله لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباٌ حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن كنا نؤذى ونخاف -في هذه الهجرة كنا نؤذى ونخاف في أرض بعداء وبغضاء؛ لأن أهل الحبشة كان أكثرهم كفار- وسأذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأسأله ووالله لا أكذب ولا أزيد على ذلك، قال: فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبي الله! إن عمر قال كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس بأحق بي منكم، وله وأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أصحاب السفينة هجرتان -أجر هجرتين- قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتونني أرسالاً يسألونني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيءٌ هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) امرأة تخرج تتغرب في أرض بعداء وبغضاء، تؤذى وتخاف من أجل أي شيء؟ لماذا تعمل هذا العمل؟ ومن الذي يقوى على هذا العمل؟ أيها الإخوة: إنها الهجرة لله سبحانه لتحقيق ولاية الله ومحاولة لتكوين المجتمع الذي يرضاه الله سبحانه.