جعل الله رائحة فم الصائم الكريه عند الناس أطيب عنده من ريح المسك، وجعل الصوم جُنة ووقاية من عذاب النار، وأخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أن (من صام يوماً في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً).
يا معشر المسلمين: أبشروا أبشروا! (إن في الجنة باباً يقال له: الريان يدخل منه الصائمون لا يدخل منه أحدٌ غيرهم -خصوصية للصائمين- فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد).
يا عباد الله! اُشعروا بالنعمة العظيمة عندما تفتح أبواب الجنان في أول ليلة من رمضان، وتغلق أبواب جهنم وتصفد الشياطين.
هذه النعمة: تصفد الشياطين، وتفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب النيران، وضاعف الأجور، وهو يقول لك: يا عبدي! هلم فاعمل، وكثر شهوة نفسك بما أعانك على ذلك من منعك عن الطعام والشراب في النهار، والجسد ينجذب إلى الأرض، والروح تحتاج إلى غذاء، وخفة المعدة والتجرد من الشهوات يؤدي إلى صفاء النفس وفراغ الخاطر، فيعرف المسلم تفاهة الدنيا، فيحن إلى الآخرة حنين الطائر إلى وكره، والسمك إلى مائه إنه الحنين إلى الآخرة.
فحيا على جنات عدنٍ فإنها منازلك الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونسلم
أخرج أبونا من الجنة بمكيدة إبليس، والجنة وطننا الأصلي الذي نزل فيه أبونا الجنة هي الدار الأصلية لهذا المخلوق البشري، ولكن مكيدة إبليس أخرجت الأب من الجنة، فهل يا ترى سنرجع إلى وطننا الأصلي؟ هل سنرجع إلى أرضنا الأصلية أرض الجنة؟ هل سنرجع إلى تلك الدار أم لا؟ السعيد من رجع بسلام، والشقي من تاه عن درب الجنة، فسقط في عذاب النيران.
عباد الله: صيام شهر رمضان يعدل صيام عشرة أشهر: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) إيماناً بالله، وإيماناً بفرضية الشهر، وعدم الشك بوجوبه إيماناً بما أعد الله للمؤمنين، واحتساباً للأجر، فهو لا يزال يراجع نفسه ويذكرها بأجر الصوم، في نهاره يقول لنفسه: إلا الصوم، فإنه لله وهو يجزيني به إلا الصوم فإن جزاؤه بلا حساب، يرجو ثواب الله، ويأمل في موعود الله، ويتعلق أمله بهذه الحسنات العظيمة يوم يقال للصائمين: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:24] منعناكم عن الطعام والشراب والنكاح في نهار أشهر رمضان في أعماركم، خذوا الآن الأجر: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:24].
الاحتساب مهمٌ جداً في حصول الأجر، والذي لا يحتسب لا يرجو رحمة ربه لا يأمل في الثواب لا تتعلق نفسه بالحسنات، فيفوته أجرٌ عظيم، تذكر الحديث إيماناً واحتساباً في كل أيام الشهر، تذكر الحديث (إيماناً واحتساباً) ولله عز وجل، عند كل فطرٍ تفطره في أيام هذا الشهر له فيه عتقاء من النار فيا فرحة الذي كتب في العتقاء في ليالي هذا الشهر، نسأل الله أن يكتبنا فيهم، ونسأل الله أن يجعلنا منهم، ونسأل الله ألا يحرمنا الأجر في هذا الشهر.
عباد الله: إذا كانت المسألة عظيمة إلى هذه الدرجة، وإذا كانت القضية خطيرة ولها شأنٌ عظيم، الأمة كلها مطالبة بأن تصوم (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) وجعل القمر دليلاً عينياً على بلوغ الشهر أو إكمال عدة شعبان ثلاثين يوماً، فعند ذلك تتجه الأمة وتتوحد، وقد آلمنا وآلم المسلمين تفرقهم شيعاً وأحزاباً، دولاً وبلداناً، تفرقوا والإسلام فيه ما يجمع (صوموا لرؤيته).
ولذلك قال جمهور العلماء: إذا رأى رجل ثقة من المسلمين الهلال صام المسلمون كلهم في أرجاء الأرض: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) لا حسابات ولا فلكيات، ولكنه دليلٌ عينيٌ، المسلم الثقة الذي يوثق ببصره وخبره إذا رأى الهلال صامت الأمة كلها.