الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، وأشهد أن لا إله إلا هو الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله: رمضان سيصنف الناس أصنافاً شتى، فمنهم من سيكون همه طاعة الله تعالى صياماً وقياماً احتساباً للأجر ورجاءً للثواب، وطمعاً فيما عند الله، ويتوب إلى الله مما سلف، ويرجع عما كان من المعصية، ويجدد العهد مع الله، لينطلق فيما بقي من حياته إلى طاعة الله تعالى، وطريق الجنة، ومنهم من سيجعل هذا الشهر شهر نومٍ وكسلٍ ولهوٍ وبطالة، وجل النهار وهو نائم، وأكثر الليل وهو لاعب، وربما سهروا إلى بعد صلاة الفجر ثم ناموا وفاتتهم صلاة الظهر والعصر ليستيقظوا عند صلاة المغرب للأكل والشرب.
ومن الناس من سيكون هذا الشهر بالنسبة إليه موسماً للتسول، وسؤال الناس، وتأتيك المعاريض والأوراق ويطوف المحتالون على المساجد.
وينبغي للمسلم أن يكون كيساً فطناً، وأن يتحرى بزكاته وصدقته المحتاجين، وإذا لم يعرف المحتاجين والفقراء يدفعها للثقات من المسلمين ليوصلوها إلى المحتاجين حقاً، فلا يغتر بهؤلاء الذين جعلوا رمضان شهراً للتسول، والازدياد من المال وأكل الحرام.
ومن الناس من سيكون همه التفنن بالأكل والشرب وصنع المأكولات بأنواعها، والمفاخرة، ونصيحة للنساء بالاقتصاد، وعدم ملء هذه اللائحات وهذه القائمات بالمأكولات والمشروبات التي تدفعها إلى زوجها، ليندفع إلى السوق ويشتري الناس ثلاثة أضعاف ما كانوا يشترونه في الأيام العادية، هل هذا هو المطلوب في هذا الشهر؟ ثم تنشغل المرأة والخادمة معها بطبيعة الحال في المطبخ ساعاتٍ طويلة، ثم بعد ذلك تمد السفرة على الأصناف، وينهمك الجميع في الأكل وقد صوبوا أنظارهم تجاه الشاشة، ويزدادون شراهةً، وتمتلئ البطون بأنواع المأكولات والمشروبات، وما سيرمى في القمامة أكثر.
ثم جعل الصيام شافعاً للعبد يوم القيامة كما جعل للصائم فرحة عند لقاء الله.
يا عبد الله! الفرحة عند لقاء الله لا تعدلها فرحة، ومن فرح ذلك اليوم فلا يحزن أبداً: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:62] فهذا الصائم إذا لقي ربه فرح بصومه، والصيام يقول يوم القيامة: (أي رب! منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، فيشفع فيه).