وكان النبي عليه الصلاة والسلام يزيل كل شيء يذكره بمتاع الدنيا من الأشياء المحرمة المنهي عنها، والتي تشغل ولو بالصلاة، كان لنا ستر فيه تماثيل طير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عائشة! حولي هذا فإني كلما دخلت فرأيته ذكرت الدنيا).
وماذا نحتاج من الدنيا أيها الإخوة؟ أمور قليلة يسيرة هي التي تبلغنا، قال النبي صلى الله عليه وسلم موضحاً هذه الضروريات الثلاث: (من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها) حديث حسن، من أصبح منكم آمناً في سربه: آمناً في بيته، لا يخاف على نفسه ولا على ماله ولا على أهله وعرضه، معافى في جسده: صحيح ما فيه مرض، عنده قوت يومه فهو شبعان، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها، هذا كل ما هو موجود مما نحتاجه في الدنيا، أما البقية فهي استكثارات مشغلة ملهية.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر بمثل الدنيا في الآخرة، وبمثل الدنيا في نعيم الجنة، ولذلك قال في الحديث: (سأل موسى ربه فقال: يا رب! ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال: هو رجل يجيء بعدما يدخل أهل الجنة الجنة، فيقال له: ادخل الجنة.
فيقول: أي رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم؟ فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت ربي.
فيقول: هو لك ومثله ومثله ومثله ومثله -لك الأولى وأربعة وخمسة- فقال في الخمسة: رضيت ربي، فيقول: هذا لك -الذي ذكرنا لك قبل- هذا لك وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك.
فيقول: رضيت ربي، -هذا أدنى أهل الجنة منزلة، خمسة في عشرة بخمسين، ضعف ملك من ملوك الدنيا، خمسين ضعفاً! هذا أدنى أهل الجنة منزلة، بالإضافة إلى ذلك لك ما اشتهت نفسك ولذت عينك- قال ربي: فأعلاهم منزلة؟ قال: أولئك الذين أردت، غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر) رواه أحمد وهو حديث صحيح.