أما الذين يعملون للآخرة فإن الله يبقي لهم ذكراً جميلاً وأجراً عظيماً، وأعمالهم تنمو وتزداد، وهذه العبادات بالنسبة للدنيا لا شيء؛ لأن الدنيا زائلة والعبادة أجرها باق؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة -في الصباح أو في المساء في سبيل الله- خير من الدنيا وما عليها) لماذا؟ لأن العبادة أثرها وأجرها باق، خير من الدنيا وما عليها، حسنة واحدة يوم القيامة أجرك عليها خير من الدنيا وما عليها، وموضع السوط في الجنة، المكان الذي يأخذه السوط من الجنة، المكان هذا القليل خير من الدنيا وما عليها.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها، ولقاب قوس أحدكم أو موضع قدمه في الجنة خير من الدنيا وما فيها، ولو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما -ما بين السماوات والأرض- ريحاً، ولأضاءت ما بينهما بالنور والضياء، ولنصيفها على رأسها -خمارها على رأسها- خير من الدنيا وما فيها).
(ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها) هاتان ركعتان خير من الدنيا وما فيها! واعقلوا -يا عباد الله- كيف أن النعيم في الدنيا حساب في الآخرة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حلوة الدنيا مرة الآخرة، ومرة الدنيا حلوة الآخرة) قد يكون مرضاً، مصاباً، كموت حبيب أو قريب يصبر عليه حلو في الآخرة، هو مر في الدنيا، كفقر، أو شيء مؤلم، لكنه حلو في الآخرة، وحلوة الدنيا من المناصب والأموال والرياش مُرة في الآخرة.
والله سبحانه وتعالى جعل الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر كما ورد في الحديث الصحيح، كثير من المؤمنين لا يرون فيها زينة وبهجة، بل يمكن أن يكون ابتلاء متوالياً، سلب أموال وسجن وتقييد حرية، مرض وموت قريب، قلة الملابس وما يستر به جسده، يجد الطعام يوماً ولا يجده يوماً آخر، الدنيا سجن المؤمن، نفسه تضيق بالدنيا لأنه يتطلع إلى العالم الفسيح، وجنة الكافر لأن هذا منتهى أملهم وهذا هو كل ما يعيشون لأجله: الدنيا، ولذلك تراهم حريصين كل الحرص على الاستمتاع بها، ما عندهم إيمان بالآخرة ولا تطلع للآخرة، ولا أمل أن يكون لهم شيء في الآخرة؛ لأنهم لا يؤمنون بالآخرة أصلاً.
ولذلك ترى عند الكفرة انتشار قضية الترفيه، قضايا الترفيه والألعاب؛ لأن هذا هو عيشهم وأملهم الوحيد، فهم يريدون أن يستمتعوا من هذه الدنيا بكل لحظة، فترى انتشار قضية الاستمتاعات ولو كانت محرمة، وانتشار قضية الترفيه، ونحن مقبلون على إجازة، والناس سيسيحون سياحة يطلبون ملذات الدنيا، والله أعلم بما هم صانعون، لكن الدنيا هذه ولو ساحوا فيها فهي سجن للمؤمن وجنة للكافر.