إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً} [فاطر:5 - 6].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [البقرة:208].
على رأس كل طريق شيطان يدعو إليه، فإياك أيها المسلم! من دخول سُبل الشيطان التي حذرنا الله منها، هو عدوك وعدو أبيك آدم، هذا الشيطان الذي طرده الله من رحمته وتوعده بالنار خالداً فيها، فطلب من رب العزة أن يمهله وأخذ العهد على نفسه أن يعمل على إضلال بني آدم، ولما كان الشيطان بهذا الخبث والمكر شرع الله لنا كل طريق للاستعاذة منه ومن شره، والوقاية منه ومن مكره، وتجنبه ورد كيده في نحره.
ومن أعظم طرق الشيطان ما قاله الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:90 - 91] وكم من المسلمين يقعون اليوم في شرب الخمور التي هي من أعظم وسائل الشيطان لصد المسلم عن طاعة ربه وعبادة الله الواحد الأحد، وكذلك أنواع الميسر التي انتشرت بين الناس في بيوعهم وشراءاتهم، فلا يزالون يقعون فيها ويلعبون مختلف الألعاب التي تقوم على فكرة الميسر: {وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:68].
فهناك مجالس لأعوان الشيطان؛ يزين الشيطان للمسلم أن يقعد فيها، فيحذر الله من هذا أشد التحذير، وللشيطان سُبل كثيرة، لكن ما هي الوسائل التي تقي المسلم كيد إبليس؟ وما هي الأعمال التي يقوم بها فيبتعد بها عن شر هذا العدو؟ إن الشريعة قد جاءت بأمور كثيرة فمن ذلك: الأذان: (إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة أحال -تحول من موضعه- وله ضراط حتى لا يسمع صوت التأذين، فإذا سكت -يعني: المؤذن- رجع فوسوس، فإذا سمع الإقامة ذهب حتى لا يسمع صوته -صوت المؤذن- فإذا سكت رجع فوسوس للمصلي) فعليكم -عباد الله- بالأذان وإقام الصلاة، ولا تفعلوا كبعض الضعفاء الذين يستحيون إذا صاروا في بر أو موضع فيه أناس يستحيون من التأذين، وهذا شعار الإسلام ومطردة للشيطان.
ومما شرعه الإسلام لنا قول: باسم الله إذا وضع أحدنا ثوبه؛ لأن باسم الله ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم.
ومن ذلك: أن المرء المسلم ينبغي أن يخلو بذكر الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من راكب يخلو في مسيره بالله وذكره إلا كان رادفه ملك، ولا يخلو بشعر ونحوه -من هذه الأمور المذمومة- إلا كان رديفه شيطان) فانظر إلى أصحاب السيارات والمسافرين كم يحملون معهم من أشرطة الأشعار والأغاني التي هي من سبل الشيطان، يصحبون بها أنفسهم في السفر بدلاً من أن يصحبوا أنفسهم بذكر الله فيصحبهم الله في سفرهم.
وكذلك إذا قمت من النوم -يا عبد الله- فاستنثر ثلاث مرات، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاث مرات، فإن الشيطان يبيت على خياشيمه) فاعتن بهذا الاستنشاق والاستنثار، ودع عنك ما يفعله الجهال من وضع الماء على طرف الأنف دون سحبه إلى الداخل.
وإذا سمعتم نهيق حمار أو نباح كلب بالليل، فتعوذوا بالله من الشيطان فإنهن يرين مالا ترون، وكذلك استعذ بالله عند قراءة القرآن كما قال الله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل:98] وعند الغضب (إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لذهب عنه ما يجد) وعند دخول الخلاء قل: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) هؤلاء ذكران الشياطين وإناثهم، وأنت تستعيذ بالله منهم ومن شرهم قبل دخول الخلاء.
وكذلك فإن مما شرعه الله للمسلم أن يتعوذ بالمعوذتين: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، يتلوهما بعد كل صلاة ثلاث مرات وقبل النوم ثلاث مرات مع السورة العظيمة التي تعدل ثلث القرآن، إن مجموع هذه السور تحصن المسلم أشد تحصين من الشيطان وشره، من عين أو سحر أو كيد ونحو ذلك.
وهؤلاء ينامون كالجيف لا يذكرون الله قبل النوم، ولا يتعوذون بالله فقال: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق:1 - 2] {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} [الناس:1 - 4].
والعوام تعودوا إذا حصل لهم شيء أن يلعنوا إبليس وأن يسبوا الشيطان بدلاً من أن يذكروا الله عز وجل، وهذا أقل ما فيه أنه يفوت عليه خيراً عظيماً، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا الشيطان وتعوذوا بالله من شره) وأرشدنا إلى أمر أهم وقال: (لا تقل تعس الشيطان فإنه يعظم حتى يصير مثل البيت، ويقول: بقوتي صرعته ولكن قل: باسم الله، فإنك إذا قلت ذلك تصاغر حتى صار مثل الذباب).
أرشدتنا الشريعة إلى قراءة سورة البقرة في البيت، وقال عليه الصلاة والسلام: (اقرءوا سورة البقرة في بيوتكم؛ فإن الشيطان لا يدخل بيتاً يُقرأ فيه سورة البقرة) فكم من قارئ لسورة البقرة في بيته! وإذا مررت بسورة فيها سجدة فاسجد -يا عبد الله! - فإن سجودك إرغام للشيطان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويلاه! أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار) هكذا يتحسر إبليس.
وأنت يا أيها الزوج مع زوجته تجنب الشقاق والفراق، فإن هذا من أعظم مداخل إبليس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم -من الشياطين الصغار إلى القائد إبليس- فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئاً، ويجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله، فيدنيه منه ويقول: نعم.
أنت الذي قمت وعملت) أنت الناجح في عملك.
وهؤلاء المغتاظون من الرجال يطلقون ألفاظ الطلاق مرات عديدة متوالية، يؤزهم الشيطان أزاً، ولا يفكرون بمستقبل الأولاد، يعميهم الشيطان بالغضب أن يفكروا في مصالح أنفسهم.
رصوا الصفوف -يا عباد الله! - فإن رص الصفوف من وسائل محاربة الشيطان؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أقيموا الصفوف ولا تذروا فرجات للشيطان، أقيموا صفوفكم وتراصوا فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشياطين بين صفوفكم كأنها غنم عفر -بيضاء ليست بناصعة- بين أظهركم) فإذاً: ما حال الذين يتباعدون بينهم وبين جيرانهم في الصف، ولا يريدون إلزاقاً ولا سداً للفرجة، هؤلاء من الذين تشتد وسوسة الشيطان عليهم في صلاتهم، فإذا صليت يا أيها الإمام! ويا أيها المنفرد! اجعل سترةً أمامك فإنها مهمة في دفع الوساوس في الصلاة، قال عليه الصلاة والسلام: (إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها، لا يمر الشيطان بينه وبينها -وفي رواية- لا يقطع الشيطان عليه صلاته) فإذا جاءك في الصلاة فوسوس لك وذكرك بموضوعات الدنيا، وأدخلك في أوديتها ومتاهاتها، وأولجك شعبها فإن لك من نبيك نصيحة.
قال أحد الصحابة: (يا رسول الله! إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي، وقراءتي يلبسها عليَّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك شيطان يقال له: خنزب، فإذا أحسسته؛ فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثاً، قال: ففعلت فأذهبه الله عني) فإذا كنت تصلي وحدك أو ليس بجانبك أحد وجاء الوسواس في الصلاة؛ فإنك تتفل عن يسارك كما في الحديث مع الاستعاذة، وإن كان بجانبك أحد فلم تحب أن تؤذي أحداً فاستعذ بالله من الشيطان أثناء الصلاة، فإن الله يُذهب عنك كيده ووسوسته، وما سجدتي السهو بهذه المناسبة إلا ترغيماً للشيطان الذي يوسوس للمصلي، فابن على الاستيقان وهو الأقل، إذا شككت ولم تعرف ترجيحاً لعدد الركعات التي صليتها، ثم بعد ذلك تسجد سجدتين للسهو ترغم بها أنف الشيطان.
ويا أيها المصلي المتشهد القارئ للتحيات! لا تنس رفع الإصبع أثناء التشهد في الصلاة، فإنه أثقل على الشيطان من الحديد، ارفعه وحركه، واجمع بين الرفع والتحريك دون عبث ولا سرعة شديدة جداً.
فإذا تثاءبت في الصلاة فلا يصدر منك ذلك الصوت الكريه، فإن الشيطان يضحك منك، وعليك أن تغطي فاك ولا تذره يدخل، فإنه يدخل مع التثاؤب ويضحك منك، بل اكتم التثاؤب ما استطعت ورده، وأغلق الفم ولا تذرها مضحكة للشيطان تؤذي عباد الله بصوتك ومنظرك الكريه.
وإذا دخلت بيتك فاذكر اسم الله تعالى حين تدخل وحين تطعم، فإنك إذا فعلت ذلك قال الشيطان لأعوانه: لا مبيت لكم ولا عشاء هاهنا وإذا دخل فلم يذكر اسم الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإن لم يذكر اسم الله عند مطعمه؛ قال الشيطان: أدركتم المبيت والعشاء.
ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمسك بيده يد أعرابي وجارية جاءا يسعيان إلى الطعام لم يذكرا الله عز وجل؛ معهما يد ثالثة وهي يد الشيطان، كما قال عليه الصلاة والسلام: (فوالذي نفسي بيده إن يده مع يديهما في يدي) وانظر إلى حال المتفرجي