ومن الأمور المهمة في موقفنا من المذنبين التائبين العائدين إلى الله قضية خطيرة يقع فيها البعض وهي تعييرهم بالذنب وتذكيرهم به فترة بعد فترة، وهذه المسألة التي تجعل كثيراً من الناس لا يتوبون، عندما يرى الآن أن معاملة الناس الطيبين تعير بالذنب، يقول: لماذا أتوب؟ إن ألسنتهم لن ترحمني، فلذلك لا يتوب، وربما تاب ولكنه عاش في الوسط محطماً، لماذا؟ لأن هؤلاء الذين من حوله لا يساعدونه على نسيان الماضي، هذه نقطة مهمة أرجو أن تنتبهوا إليها، فالناس الذين من حوله لا يحاولون أن ينسى الماضي وإنما يذكرونه به مرة تلو الأخرى، ولذلك قد يتوب لكن يعيش شخصية محطمة لا ينتفع منها المسلمون من طاقاته، من الموقف الذي حصل تجاهه.
وقد يكون تعيير المسلم لأخيه بذنب فعله أعظم إثماً من المذنب لما فيه من إظهار الطاعة وتزكية النفس وتبرئتها من العيوب، يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا زنت أمة أحدكم، فليقم عليها الحد ولا يثرب) لا يثرب يعني: لا يعير، في الحديث الصحيح، وورد عن بعض السلف قوله: "إن من عير أخاه بذنب قد تاب منه لم يمت حتى يعمله"، وقال بعضهم: "لا تظهر الشماتة بأخيك فيرحمه الله ويبتليك"، فإذاً: أنت لابد أن تحس يا أخي أنك يمكن أن تقع في نفس ما وقع فيه هذا الشخص، فعندما تعيره بالفاحشة فقد تقع في الفاحشة، وعندما تعيره بالكذب فقد تقع في الكذب {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} [الإسراء:74] هذا الرسول صلى الله عليه وسلم يقال له هذا الكلام، وقال يوسف: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [يوسف:33] هذا النبي يوسف يقول لربه لو لم تصرف عني كيد هؤلاء النسوة أقع في الفاحشة، وكان عامة يمينه صلى الله عليه وسلم: لا.
ومقلب القلوب.
ولذلك الرجل الذي جاء لمذنب وقال: إني أنصحك عشرين مرة ولا فائدة، أنت تصر على المعصية، أنت أنت لا يغفر الله لك، في الحديث الصحيح: (إن رجلاً قال: والله لا يغفر الله لفلان، قال الله: من ذا الذي يتألى علي ألا أغفر لفلان فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك) هذا تعدٍّ على حق من حقوق الله، من الذي يغفر؟ إنه الله عز وجل هو الذي يغفر، أنت لا تعطي الناس كروتاً إلى جهنم والجنة توزع عليهم تقول: أنت يغفر لك وأنت لا يغفر لك، ليست من صلاحياتك.