طبيعة الدِّين الذي نحمله

أيها الإخوة: لابد أن نعلم أولاً أن المطلوب منّا هو التغيير، والهدف هو التغيير، ولنعلم أن طبيعة الدين الذي نحمله طبيعة تغييرية تغير الواقع الجاهلي لكي يكون إسلامياً، والإسلام يرفض أي تسلط وأي استعباد للبشر، وأي حكم بخلاف حكم الشريعة، ويرفض الإسلام أي منكر يكون كبيراً أو صغيراً، ويربي الإسلام أتباعه على الصمود أمام الجاهلية وتغييرها لكي يكون الواقع إسلامياً.

إن الجاهليات المعاصرة قد بنت أنظمة وشيدت أبنية، قالوا عنها: حضارية، وقالوا ما شاءوا أن يقولوا، لكنها في الحقيقة مصادمة لدين الله، ومصادمة حتى لفطرة البشر، ورسالتنا نحن رسالة تغييريه، ليست رسالة ترقيعية، أو تغييراً جزئياً، أو إزالة بعض المنكرات، وإنما طبيعة الرسالة التي يجب أن نحملها طبيعة تغييريه، لابد أن تُقتلع الجاهلية من جذورها وأن يحل محلها نظام إسلامي كامل.

لا يمكن أن يرضى المسلم بأنصاف الحلول، أو بتطبيق جزئي للإسلام، ولا يمكن أن يُضحك على المسلم ببعض التغييرات الجزئية الهامشية الجانبية، وتترك الأمور الأساسية بدون تغيير كما يوافق الشرع.

أيها الإخوة: إن هذه المهمة التغييرية تنبؤنا بأننا لا يمكن أن نسكت لقاء بعض المكاسب التي نحققها في الواقع، وإنما لابد أن نطالب بالمزيد، ونستمر في العمل حتى يحدث التغيير الشامل؛ لأننا في الحقيقة أصحاب دين ومنهج، ولسنا أصحاب مكاسب دنيوية ولا أطماع شخصية.

ولذلك فإن المسلمين الصادقين لا يمكن أن يسكتوا ببعض المناصب مثلاً أو ببعض الوجاهات، وهذه نقطة لا يفهمها ولا يعيها كثير من الذين يعملون للإسلام من خلال بعض البرامج التي يظنون أنهم يستغلون الديمقراطية من أجلها، بل الحقيقة أنهم يسكتون ويرضون بأمور جزئية، يظنون أنها مكاسب كبيرة جداً، والحقيقة أن المسلم لا يمكن أن يهدأ إلا بعد أن يرى الواقع أمامه مستقيماً تماماً على شرع الله.

ونحن نعلم -مع يقيننا بهذه القضية- أن التغيير لا يمكن أن يتم بين يوم وليلة، وأن المسألة لا يمكن أن تحدث بانقلاب مفاجئ يتغير الواقع فيه تماماً من الصفر إلى المائة، ولم يحدث هذا في تاريخ دعوات الأنبياء.

إننا نعلم أن المسألة لابد أن يحدث فيها تدرج، ودعوة مستقيمة جادة؛ لكي تجتمع الجماهير في النهاية على الإسلام، نحن نعلم أن المهمة صعبة، وأن التغيير قد يكون بطيئاً جداً، لكن هناك فرق بين أن يكون التغيير الشامل هو هدفك الأكبر، أو أن يكون تحصيل بعض المكاسب الجزئية هو هدفك الأكبر.

لابد أن يستقر في ذهن ووعي كل مسلم، أن الإسلام دين تغيير، والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وأن التغيير يبدأ من الفرد وينتشر في المجتمع، وهناك تغيير أفراد وهناك تغيير المجتمع، كما أن هناك انحرافاً لدى الأفراد، فهناك انحراف لدى المجتمع، وانحراف المجتمع مكون -ولاشك- من انحراف الأفراد، مما أدى إلى انحراف النظم، فصارت الأنظمة الجاهلية مستقرة في بلدان المسلمين.

أيها الإخوة: إن التغيير هو (تغيير أفراد زائد تغيير المجتمع) ولابد أن يكون للإسلام قاعدة جماهيرية ذات نفوذ عام، وعند ذلك يمكن أن يحصل التغيير المنشود، وأما من جعل مصلحته الشخصية فوق مصلحة الإسلام، وقبل مصلحة الدين، فلا يمكن أن يصل، ولا يمكن أن يغير.

فإذا جعلنا الإسلام ومصلحة الإسلام هي المقدمة على مصالحنا الشخصية، وجعلنا الإسلام هو شغلنا الشاغل، وهمنا الذي يؤرقنا ليلاً ونهاراً، فإننا يمكن أن نعمل وننتج، وأما إذا جعلنا الإسلام شيئاً جانبياً، ومصلحة الإسلام قضية هامشية، وقدمنا لقمة العيش وأكل الخبز -كما يقولون- على مصلحة الإسلام، فلا يمكن أن نغير، وعند ذلك فإن الله سيأتي بقوم {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:54].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015