إذا توصلنا إلى هذه النتيجة، فإن كل دين غير دين الله تعالى فهو باطل، ودين الله سبحانه وتعالى هو الوحيد الذي يكفل للناس حقوقهم، فإن الناس مهما اخترعوا في قضية الدين المشترك لا يمكن أن يحصلوا على السعادة الحقيقية.
ومسألة الدين المشترك قال فيها بعض الكفرة والفلاسفة: الناس لابد أن يعيشوا معاً، وإذن فلا يمكن أن تستقيم أمورهم إلا بجلب المنافع ودفع المضار، وهذا لابد أن يكون فيه عهود وعقود، فنعمل قوانين تضبط هذه الحالة، وتكلموا عن أشياء من ذلك كما كتب بعض الفلاسفة (المدينة الفاضلة) ووصفها ونحو ذلك، والكفار كذلك في عصرنا من خلال التجارب والسماعات والخبرات، والرصيد السابق عملوا قوانينهم التي تسير بلدانهم، فمثلاً قالوا: لابد من توزيع الثروات والعدل في الرغبات، وعدم اعتداء البعض على البعض الآخر، فحتى ينضبط المجتمع نجعل قوانين تحل المشكلة، فالفكرة هذه التي تقوم عليها بالذات المجتمعات الغربية اليوم فكرة ليست جديدة، بل هي فكرة قديمة.
فمثلاً: حمورابي قد كتب وسن قوانين، وجنكيز خان ونحو ذلك، وهؤلاء هم أتباع الملوك المتفلسفة، فهؤلاء قد جعلوا قوانين بعضها فيه عدل فعلاً، فإذا ذهبت إلى بلدانهم تجد في بعضها عدل حقيقة، ولكن؟ لكن هل امتنع الشقاء؟ لا.
الانتحار والجنون، والأمراض العصبية، والانهيارات النفسية موجودة؛ لأنه بقي شيء واحد لم يضعوه في قوانينهم؛ لأن القوانين قائمة على هوى.
لكن هناك شيء أساسي جداً ما عملوه، ألا وهو عبادة الله، ولا يمكن أن يستقيم حال الناس بالدين المشترك، إلا بأن يكون هناك دين سماوي إلهي يضبطه ويؤسسه، فيكون مؤسساً بناءً عليه، فإذن قلوب العباد إذا جمعتهم مع بعض ووضعت لهم قوانين قد تكف عنهم من الظلم، لكن لا يمكن أن تُوجد لهم سعادة ولا ضبط للأشياء، لأن القوانين قد يلعب عليها وقد تخترق، وقد يأتي بمحامي ماهر ويوجد له ثغرة في القانون، وأشياء كثيرة كما نجد، ثم مهما كان القوي يغلب الضعيف حتى في تلك البلاد التي فيها قوانين دقيقة جداً جداً فإن فيها ثغرات كثيرة.
لكن هناك شيء مهم جداً في نفوس العباد لم تحققه لهم القوانين، ما هو؟ عبادة الله عز وجل، لأن قلوب بني آدم لابد أن تحب إلهاً، وهي مفطورة على هذا، وأن تعبده ولذلك وجد عند هؤلاء الغربيين قيم روحية ينادون بها، واكتشفوا أن قوانينهم ولا تكفي لجلب السعادة إلى النفوس، فصار بعضهم يتجه إلى ديانات شرقية، ويتجهون إلى الكنيسة، وفي هذا إثبات واعتراف وإقرار بأن القوانين والدين المشترك لم تكفِ، ولا تصلح حياتهم ولا يدوم شمل الناس إطلاقاً إلا بأن يكون هناك تأله، يحتاجه الإنسان أكثر من حاجته للطعام والشراب والغذاء، وأن عدم الغذاء إذا كان يُفسد الجسم فإن فقد التأله يُفسد النفس ويتلفها، ويدمر القلب تدميراً.
وما الذي يمكن أن يُصلح النفس والقلب؟ هو التأله لله سبحانه وتعالى، وهي الفطرة التي فطر الله كل الناس عليها، لابد لهم من رب واحد يكونون خاضعين له، فيتألهونه ويعبدونه فتحصل لهم السعادة والاستقرار، وينضبط دينهم المشترك الذي تعبوا جداً في سن القوانين فيه، والله سبحانه وتعالى إذا خضعوا له فقد أنزل عليهم شريعة تحكم دينهم المشترك وتحكم دينهم الخاص، وبالتالي تحصل السعادة، هذه هي المسألة المهمة جداً التي ينبغي أن ننقد فيها الواقع الموجود بناءً عليها، وأنك تعرف من خلالها أن ما فعله الكفار من تنظيمات وأشياء وقوانين لم تجلب لهم السعادة، ولم يحصل لهم الاستقرار إطلاقاً.
ولو حصل في مجتمعهم فإنهم يظلمون غيرهم، وهذا ما يُفسر تسلط الدول الكبرى على دول العالم الثالث والدول الفقيرة لماذا؟ لأنهم لا يتعاملون بناءً على العبادة، وإلا لما ظلموا غيرهم، ولو وضعوا أشياء وقوانين فهي في بلادهم، وأما على غيرهم فالقوي يأكل الضعيف، وشريعة الغاب هي التي تسود لا القوانين ولا غيرها، وهذا ما يبين لنا أن كلاماً أو عبارة مثل: (النظام العالمي الجديد) كلام فارغ وتافه، لا يمكن عمله ولا القيام به؛ لأنه ليس مؤسساً على عبادة الله عز وجل، ولا على الدين الذي شرعه الله وهو دين الإسلام.