الأحكام المرتبطة بالسمع في الشريعة

عباد الله! إن هذا السمع مسئولية، وقد رتب الشارع أحكاماً عليه، وجعل فيه واجبات ومحرمات، وجعل فيه تبعات ومسئوليات، ولذلك قال ربنا: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} [النساء:140] أي: في الكفر ومعاندة الشريعة.

إذا سمعت -يا أيها المسلم- آيات الله يستهزؤ بها في المجالس، وإذا سمعت بشرع الله يستهزؤ به في مجالس الناس ومنتدياتهم، وإذا سمعتهم يخوضون في الكتاب والسنة بالباطل، وإذا سمعتهم ينتقصون من الدين، ويعيبون الشريعة والأحكام، فعندك خياران لا ثالث لهما: إما أن تنكر فتسكتهم، أو تقوم وتغادر المجلس، ولا بد من ذلك، أما إذا سكت وجلست، فأنت شيطان أخرس: (الساكت عن الحق شيطان أخرس) وما أكثر المجالس التي تلمز فيها الشريعة اليوم، وتعاب فيها الأحكام، ويسخر فيها من الدين والمتدينين، وفي المقابل ما أقل المنكرين الذين يقومون بالواجب الشرعي تجاه هؤلاء العابثين، وكذلك ذكر الله من صفات المؤمنين أنهم إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه، ولم يتأثروا به، ولم ينصتوا إليه، ولم يستمعوا، وإنما أعرضوا.

وتأمل بعض ما في الشريعة من الأحكام المرتبطة بالسمع كقوله صلى الله عليه وسلم: (الجمعة على من سمع النداء) فإذا كان قريباً يسمع النداء وجب عليه الحضور، بخلاف ما إذا كان بعيداً.

وكذلك حضور صلاة الجماعة في المسجد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سمع النداء فلم يأته؛ فلا صلاة له إلا من عذر) فإذا سمع النداء ولم يأت المسجد فهو آثم، وما أكثر الآثمين في هذا الباب الذين يتخلفون عن صلاة الجماعة، فإذا فرض أن هناك مؤذناً صيِّتاً يؤذن على سطح المسجد، والسامع حسن السمع، وليس بينهما جدران ولا عوائق، والريح ساكنة، فإذا كان يسمع؛ فلا بد من الإجابة، هذا الضابط الذي تجب به على المكلف الجماعة وحضورها: (إذا سمعت النداء؛ فأجب داعي الله: حي على الصلاة) حديث صحيح.

وكذلك (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول) كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم (وإذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، فإن من وافق قوله قول الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه) فسمع الله لمن حمده بمعنى: أجابه وأثابه، فإذا سمعتها وسائر أذكار الصلاة وتكبيرات الإمام، فأنت تجيب، وأنت تتابع.

وكذلك جعل الشارع من المسموعات ما يتفاعل به قلب الإنسان المؤمن، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم صوت الديكة، فسلوا الله من فضله) لأنها رأت ملكاً، وهي ترى ما لا نراه، وقال في الحديث أيضاً: (إذا سمعتم نباح الكلاب، ونهيق الحمير بالليل، فتعوذوا بالله من الشيطان) لماذا؟ لأنها رأت شيطاناً.

وكذلك فإن من سمع بفتنة، فلا بد أن ينأى عنها، وأن يبتعد، فإذا سمعت بمكان فيه فتنة، فلا يجوز لك أن تسافر إليه، ولا أن تذهب إليه، والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث الدجال: (من سمع بالدجال، فلينأ عنه) أي: ليبتعد، وما أكثر الدجاجلة الصغار قبل الدجال الأكبر الذين يذهب إليهم الناس للاستماع! وما أكثر أماكن الفتنة التي يسافرون إليها!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015