القصة الأخرى التي رواها البخاري رحمه الله في السياق الآخر: عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: (أول ما اتخذ النساءُ المِنْطَقَة مِن قِبَل أم إسماعيل -المِنْطَق الذي يُشد على الوسط، لماذا اتخذت أم إسماعيل المنطق؟ - قال عليه الصلاة والسلام: اتخذت منطقاً لتعفي أثرها على سارة).
كانت هاجر أمة لـ سارة، لأن الجبار عندما أراد أن يمس سارة بسوء، أراد أن يأخذها، دعت الله عز وجل فأصيب بالشلل، ثلاث مرات يحاول أن يمس سارة بسوء، والله سبحانه وتعالى يصيبه بالشلل، وفي النهاية قال لمن أتاه بها: إنك لم تأتني بإنسان، إنما أتيتني بشيطان، فخلى سبيل سارة وأعطاها هاجر وهاجر كانت عند الجبار الملك الظالم.
وعندما رجعت سارة إلى إبراهيم قالت له: أخزى الله الفاجر وأخدم هاجر، ثم إن سارة وهبت هاجر لزوجها إبراهيم، ثم حصل بين سارة وهاجر من الغيرة ما يقع بين النساء، وإن سارة لما اشتدت بها الغيرة خرج إبراهيم بإسماعيل وأمه هاجر إلى مكة لأجل ذلك، وقد أمره الله تعالى بالخروج إلى مكة، واجتمع مع ذلك سبب الغيرة.
فحتى لا تعرف سارة اتجاه هاجر وأثرها أين ذهبت، اتخذت منطقاً يشد على الوسط.
(ويزحف وراءها على الأرض ليخفي أثر مشيها، فجاء إبراهيم بـ هاجر من الشام إلى مكة، وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت -الكعبة لم تكن مبنية ولا موجودة، وإنما مكان البيت- عند دوحة -أي: الشجرة الكبيرة- فوق زمزم في أعلى المسجد -مكان المسجد الذي لم يكن قد بُنِي حينئذٍ- وليس بـ مكة يومئذٍ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك ووضع عندهما جراباً فيه تمر وسقاءً فيه ماء -ماء وطعام لأهله الذين تركهم بأمر الله- ثم قَفَّى إبراهيم منطلقاً -أي: وضع هاجر وابنه إسماعيل في هذا المكان الوادي المقفر ورجع إلى الشام - فتبعته أم إسماعيل -لما ولى راجعاً إلى الشام تبعته أم إسماعيل- فأدركته بـ كَدَاء) كداء موضع معروف في مكة غير كُدَى، هناك في مكة مكانان: كداء وكُدَى، وكلاهما مكان معروف، أم إسماعيل لما ولى زوجها إبراهيم خرجت وراءه تطلبه.