والمرأة تشترك في وليمة العرس، وينبغي أن تفهم هنا حديث البخاري عن سهل قال: (لما عرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما صنع لهم طعاماً ولا قربه إليهم إلا امرأته أم أسيد، بلت تمراتٍ في تورٍ من حجارة من الليل، فلما فرغ النبي من الطعام أماتته له، فسقته تتحفه بذلك) وفي رواية لمسلم: (تخصه بذلك) وينبغي أن يفهم هذا الحديث فهماً صحيحاً.
النووي رحمه الله قال: إن هذا الحديث كان قبل الحجاب، لأن المرأة أجنبية عنهم، وكانت تقدم لهم الطعام، وقال بعضهم: محمولٌ على أنها مستورة ستراً تاماً، وليس هناك فتنة بطبيعة الحال، فمحل ذلك أمن الفتنة ومراعاة الستر، ولذلك الأحوط أن المرأة لا تخرج على الرجال مطلقاً، خصوصاً إذا ترجح كلام من قال: إن ذلك كان قبل فرض الحجاب.
وأما ما ورد من دعوة المرأة للرجل للوليمة، فقد أخرج البخاري رحمه الله تعالى عن أنس بن مالك قال: أبصر النبي صلى الله عليه وسلم نساءً وصبياناً مقبلين من عرسٍ، فقام ممتناً فقال: (اللهم أنتم من أحب الناس إلي) قال القسطلاني في شرح الحديث: فلو دعت امرأةٌ امرأةً أو رجلاً لوليمة وجب أو استحب للرجل الإجابة لا مع خلوةٍ محرمة، فلا يجيبها إلى طعامٍ مطلقاً -أي: في حالة وجود الخلوة- أما إذا بعثت إليه بطعام أو لم يكن هناك خلوة ولا فتنة، فلا بأس بذلك.
فالمرأة لها أن تدعو المرأة لوليمة الطعام، فما حكم إجابة المرأة المدعوة للوليمة هل هي واجبة أم لا؟
صلى الله عليه وسلم تستأذن زوجها فإن أذن لها زوجها فإنها تذهب، بل يتعين عليها الذهاب، وإن لم يأذن فإنه لا يجوز لها الذهاب، أما دعوة المرأة رجلاً للوليمة فلا بأس بها إذا لم تكن فتنة، أي: مثلاً امرأة عندها بنت وزوجت البنت، وأبوها ميت، فصارت هي التي تدعو الناس، وهي امرأة كبيرة في السن وليس هناك فتنة، فوجهت الدعوة للرجال، فيحضرون ويطعمون وينصرفون.
ومليكة جدة أنس -وهي امرأة كبير في السن- دعت النبي صلى الله عليه وسلم لطعامٍ صنعته، فأتى فأكل ولم يكن هناك خلوة ولا فتنة، أما في الأحوال التي يكون فيها فسادٌ وفتن فلا تدعو امرأةٌ رجلاً أبداً، ولذلك فرق العلماء بين المرأة الكبيرة العجوز وبين المرأة الشابة، وبين المرأة الصالحة والمرأة السوء، ولا يمكن بأي حال أن تجعل الشريعة ستاراً لأعمال الفحش.