الحمد لله الذي لا إله إلا هو ولي الصالحين، الحمد لله القائل في كتابه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90] وإذا قالوا لنا: إن الدين لا يأمر بهذا الحجاب الكامل، نقول لهم: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ} [الأعراف:28 - 29] لقد كان الناس في هذه البلاد إلى عهد قريب يقومون ويطبقون ما قاله عليه الصلاة والسلام: (المرأة عورة) فكانت المرأة تستر في كثير من البيوت، وفي كثير من المجتمعات، ولكن الآن -أيها الإخوة- انخلعت الغيرة من قلوب الكثيرين، صرت تمشي في الطريق فترى التبرج عاماً شاملاً إلا من رحم الله، تقف بسيارتك عند إشارة المرور، فتلتفت يميناً وشمالاً لترى رجلاً واضعاً زوجته بجانبه وهي متبرجة في السيارة عند إشارة المرور.
وهناك في الأسواق -أيها الإخوة- مناظر ما كنا نراها من قبل أبداً، وقد غزت مجتمعنا هذا، فما بالك بغيره من مجتمعات المسلمين.
أسألكم: هل كان التبرج موجوداً من قبل مثلما هو موجود الآن؟ التستر الذي كان موجوداً أين ذهب؟ كانت طبائع كثير من البدو تأبى تماماً أن تكشف المرأة، ثم قامت المسلسلات البدوية المعروضة بنسف وإزالة جميع أنواع الغيرة الموجودة عند كثير من هؤلاء، حتى أصبحت ترى اليوم الموظفة في بعض الشركات التي كان أبوها في يومٍ من الأيام أو جدها يرفض نهائياً أن يرى منها شيئاً، تخرج متبرجة بين المكاتب والموظفين! حرامٌ عليكم حرامٌ عليكم ما أقررتم من الفساد والخبث في بيوتكم، وحرامٌ ما أقررتم من الشر والفحشاء والسفور في مجتمعاتكم، إن الله سيسألكم عن هؤلاء، وسيعذب كل من قضت حكمته أن يعذبه بمخالفة هذا الأمر.
أيها الناس: أما كفاكم أن يكون التبرج في كثير من نسائكم، حتى رضيتم أن تكون هؤلاء المتبرجات فتنة للناس الآخرين الذين يمشون في الشوارع، فيطالعون في وجوه النساء، وينظرون إلى أبدانهن.
إن المرأة لو كانت لابسةً لباساً كاملاً متحجبةً حجاباً تاماً، فمن الذي يجرؤ على ملاحقتها أو النظر إليها؟ وقد يقول هؤلاء المتشبعون بشبهات العلمانيين: إن المرأة إذا كانت متحجبة حجاباً تاماً لفتت الأنظار إليها، لكن إذا صارت متبرجة مثل عموم النساء، لن يلتفت إليها أحد!! كذبوا والله {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} [الكهف:5] إذا كانت المرأة مستوفية لشروط الحجاب التام، فإن بعض الناس ينظرون إليها باستغراب، ولكن سينظرون، ويوجهون البصر، ثم يعيدون النظر مرة أخرى، ماذا سيحدث؟ سينقلب إليهم البصر خاسئاً وهو حسير، لأنهم ما ظفروا بشيء من هذه المتحجبة، لأنها ما أخرجت من بدنها شيئاً ينظرون إليه، فلو نظروا للاستغراب في الوهلة الأولى، فإنه سينقلب إليهم بصرهم خاسئاً كليلاً وهو حسير، لأنهم ما رأوا شيئاً، ولا ظفروا ببغيتهم، لكن أن تجعلوا نساءكم معارض يشاهدها الغادي والرائح، فأين الغيرة أيها المسلمون؟
لمثل هذا يذوب القلب من كمدٍ إن كان في القلب إسلامٌ وإيمانُ
يا أيها الناس يا أيها المسلمون: لا تستمعوا إلى دعاة العلمانيين، إن هؤلاء الذين يروجون المقالات التي تأتي بالشبهات لا تستجيبوا لهم مطلقاً، وهذا الضال الذي يقول ما يفرح العلمانيين الملحدين الذين يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، هذا الضال الذي لا زال يجرؤ على الشريعة، ويقول: إن حجاب الوجه غير موجود في المذاهب الأربعة كلها، هذا الضال الجاهل لا تستجيبوا لدعوته ولا لكلامه، اقرءوا كلام أهل العلم، إن هؤلاء يكتبون {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ} [الأعراف:202] ويقولون لك في ضمن شبهاتهم: إذا كانت تغطية الوجه واجبة فلماذا أمرت الشريعة بغض البصر؟ يقولون لك: إذا كانت تغطية الوجه واجبة فعن أي شيء نغض الأبصار؟ ولماذا قال الله: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:30]؟ نقول لهم: يا دعاة التحرر والسفور! يا أيها الذين لا تخشون الله! لأنكم تعلمون أن الوضع وضع فتنة، ولو رجحتم كشف الوجه فهل يجوز أن ترجحوه الآن في هذا الزمان؟ افرضوا -أيها الإخوة- أن الرأي الآخر القائل بكشف الوجه رأي سديد صحيح، فهل يجوز أن يطبق في هذا العصر وفي هذا الزمان؟ ألستم تعلمون أن من قواعد الشريعة سد الذرائع، وكل باب يؤدي إلى الفساد يسد حتى لو كان أصله حلالاً، أنت تعلم أن بيع العنب حلال، لكن لو وجدت واحداً يشتريه منك ليصنع الخمر فلا يجوز أن تبيعه، مع أن بيعه في الأصل حلال.
فنقول: افترض أن كشف الوجه حلال، فهل يصلح في هذا الزمان أن تكشف فيه الوجوه؟ وهل يصلح أن تبدي فيه المرأة عن زينتها؟ وأنتم ترون كلاب الشهوات المسعورة تلاحق النساء في كل مكان، فهل يصلح أن نطبق فيه هذا الرأي؟ نقول له: إن المرأة لو كانت متحجبة فإنها قد تتعرض لأحوال ينكشف فيه حجابها، قد تهب عليها الريح الشديدة في الشارع فينكشف شيء من ساقها، فهل آية غض البصر مفيدة أم لا؟ قد ترفع قدمها لتركب في السيارة، فتشاهد أنت شيئاً من القدم، فهل آية الأمر بغض البصر مفيدة أم لا؟ إذا كنت صاعداً في سلم عمارة، وفتح ولدٌ باب شقة من الشقق فجأة، ونساء في الداخل لا يقصدن أن يرى أحدٌ منهن شيئاً، فهل آية الأمر بغض البصر مفيدة أم لا؟ ثم إن الله يعلم أنه بالرغم من الأمر بالحجاب فإنه سيبقى هناك أناسٌ لم يستجيبوا للحكم، وسيبقى هناك عصاة لن يستجيبوا للحكم، وسيخرجون بنسائهم إلى الشوارع- الله يعلم هذا- {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] فعندما يعلم الله أن هناك من النساء من يرفضن الحكم ويخرجن في الشوارع، أفتكون آية الأمر بغض البصر مفيدة أم لا؟ فإذا أطبقن النساء المسلمات على تغطية الوجه، أليس سيبقى من النساء الكافرات من لم يستجبن للحكم مطلقاً؟ إذاً: الآية الآمرة بغض البصر مفيدة، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [الأنعام:37] ولكن أكثرهم لا يعقلون، ولكن أكثر الناس بآيات الله يستهزئون.
أيها الإخوة: إن هذه الخطبة على مشارف شهر رمضان، وشهر رمضان له حرمته وقدسيته، فنريد أن نصوم شهراً بدون شهوات ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، نريد أن نصوم شهراً ولا نرى إلا خيراً، وإنني أدعوكم ونفسي للالتزام بهذا الفقه، والشر الناتج عن التبرج كثير، ولو جلسنا نشرحه لطال بنا الموقف، فأدعوكم ونحن مقدمون على شهر رمضان أن تتوبوا إلى الله جميعاً، ومن كان منكم لم يأخذ على نساء أهل بيته بالحجاب، فليأخذ الآن، فإن المعصية في الزمان الفاضل تضاعف، كما أن المعصية في المكان الفاضل تضاعف، وهذا من قواعد الشريعة.
اللهم إنا نسألك أن تحصن فروجنا، وأن تطهر قلوبنا، وأن تستر نساءنا.
اللهم إنا نسألك العفاف والتقى والغنى.
اللهم لا تدع لنا في هذا اليوم العظيم ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا كرباً إلا نفسته، ولا عيباً إلا سترته، ولا عورةً إلا سترتها يا رب العالمين.