ومن تأديب الشافعي لطلابه: أنه كان إذا ناظره إنسان في مسألة وتعداها إلى غيرها ولم يفرغ من المسألة الأولى، قال له: ننتهي من هذه المسألة ثم ننتقل إلى ما تريد، دعنا ننتهي من المسألة الأولى، ثم ندخل في الثانية؛ لأن هذا من الآداب، تجد بعض الناس إذا ناقشوا تنقلوا في المسائل من هذه إلى هذه، لم يفرغ من الأولى حتى يدخل في الثانية والثالثة والرابعة، ويخلط الأمور، وتتعقد النقاشات، ولا ينتهي الناس إلى نتيجة، بسبب أنهم يفتحون أكثر من موضوع في نفس الوقت، ولا ينتهون لا من هذا ولا من هذا ولا من هذا، فكان الشافعي رحمه الله إذا ناظرة إنسان في مسألة وتعداها إلى غيرها قبل أن تنتهي، قال: نفرغ من هذه المسألة ثم نصير إلى ما تريد، فإذا أكثر علي وأصر وألح الدخول في مسألة جديدة ولم تنته الأولى، قال: مثلك مثل معلم كان بـ المدينة يعلم الصبيان القرآن من كراس، فأملى على صبي بسؤال نعجتك، يريد أن يملي عليه الآية التي فيها قول الله عز وجل: {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ} [ص:24] فقال بسؤال ولم يدرِ ما بعده، المعلم في غفلة، فأراد أن يملي عليه بسؤال نعجتك، فقرأ الكلمة الأولى ولم يدرِ بالثانية، فمر رجل فقام إليه، فقال: أصلحك الله، بسؤال نعجتك أو بعجتك؟ -هو لا يدري نعجتك أو بعجتك- فقال له رجل: يا أبا عبد الله! أفرغ من سؤال ثم سل عما بعده، إنما هو -ويحك- بسؤال نعجتك.
وكذلك من الأشياء التي حصلت للشافعي رحمه الله تعالى أنه كان يوصي طلابه بالفقه، ويقول لـ يونس بن عبد الأعلى: يا أبا موسى! عليك بالفقه فإنه كالتفاح الشامي يحمل من عامه.
بعض النباتات إذا زرعت -الآن- لا تثمر إلا بعد أعوام، قال: عليك بالفقه فإنه كالتفاح الشامي يحمل من عامه، أي: أنه من النباتات التي ثمرتها عجلة تخرج بسرعة وهكذا الفقه، وكان يقول: "طلب العلم أفضل من صلاة النافلة".