كان أحد طلاب الشافعي قد وجد في نفسه أشياء من الوسوسة المتعلقة بأمرٍ من أمور التوحيد، مثل ما يجد بعض الناس أشياء يلقيها الشيطان عن الله عز وجل أو عن ذات الله من الشكوك والأوهام والوساوس ونحو ذلك، فقال أحد تلاميذه: صرت إليه في مسجد مصر، وقد هجس في ضميري مسألة في التوحيد، فأخبره عن هذا الشيء الذي في نفسه، فغضب الشافعي رحمه الله، وقال: أتدري أين أنت؟ قلت: نعم.
قال: هذا الموضع الذي أغرق الله فيه فرعون -أي: في بلاد مصر - أبلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالسؤال عن ذلك؟ هذه بعض الأشياء التي بعض الناس يتناقش فيها في أمور تتعلق بالتوحيد مما ليس عندنا دليل عليه، أمور من أمور الغيب، لأن قضايا الغيب يجب أن نمسك فيها، حتى أن الشافعي رحمه الله من الحكم التي قالها: "إن للعقل حداً ينتهي إليه".
أبلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالسؤال عن ذلك؟ قلت: لا.
قال: هل تكلم فيه أحد من الصحابة؟ قلت: لا.
قال: تدري كم نجماً في السماء؟ قلت: لا.
قال: فكوكب منها تعرف جنسه طلوعه أفوله مم خلق؟ قلت: لا.
قال: فشيء تراه بعينك من الخلق لست تعرفه تتكلم في علم خالقه! أي: الآن بعض المخلوقات العقل عاجز عن إدراكها، تتكلم في أمور تتعلق بالخالق مما لم يأت في الكتاب والسنة، ثم سألني عن مسألة في الوضوء، فأخطأت فيها، ففرعها على أربعة أوجه، فلم أصب في شيء منها، فقال لي: شيء تحتاج إليه في اليوم خمس مرات، تدع علمه، وتتكلف علم الخالق، إذا هجس في ضميرك ذلك فارجع إلى الله، وإلى قوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الآية)) [البقرة:163 - 164].