كذلك رجل العقيدة له موقف من الكفار؛ وهو أنه يفاصلهم ويتميز عنهم في عبادته لماذا لا نصلي في وقت شروق الشمس وغروبها؟ تميزاً عن الكفار في العبادة، وهو كذلك يتميز عنهم في العقيدة، ويتميز عنهم في اللباس، ويتميز عنهم في المظهر، ويتميز عنهم في كل ما اختصوا به من عادات، ولا يُقدم وشيجة القربى على العقيدة.
انظر إلى هذه الحادثة العجيبة في الحديث الصحيح في وفاة أبي طالب يقول: (لما توفي أبو طالب أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت -من المتكلم؟ علي بن أبي طالب انظر ماذا قال علي الغلام الصغير للرسول صلى الله عليه وسلم، من الذي مات؟ أبوه الذي مات.
ماذا قال علي؟ يقول مخاطباً الرسول صلى الله عليه وسلم-: إن عمك الشيخ الضال قد مات فمن يواريه؟ فقال عليه الصلاة والسلام: اذهب فواريه ثم لا تحدث شيئاً حتى تأتيني، فقال علي رضي الله عنه: إنه مات مشركاً، فيعود عليه السلام ويقول: اذهب فواريه.
قال: فواريته ثم أتيته، قال: اذهب فاغتسل ثم لا تحدث شيئاً حتى تأتيني، قال: فاغتسلت ثم أتيته، قال: فدعا لي بدعوات ما يسر أن لي بها حمر النعم) حديث صحيح رواه الإمام أحمد.
ورجل العقيدة له موقف من الكفار في الصدع بالدين وإعلان الإسلام، وأنتم تعرفون قصة أبي ذر في الصحيحين، تعرفون أنه لما قال له النبي عليه الصلاة والسلام بعدما أسلم: ارجع إلى قومك، قال: لا.
سأذهب إلى كفار قريش ولأصرخن بها بين ظهرانيهم، فخرج حتى أتى المسجد، فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فثار إليه القوم فضربوه حتى أضجعوه على الأرض، فأتى العباس فأنقذه، وفي اليوم التالي يرجع أبو ذر ويعاود نفس العملية؛ لأنه يريد أن يُعلن العقيدة على ملأ الكفار.
رجل العقيدة ليس بخب ولا يخدعه الخب، ليس غادر لئيم مكّار وفي نفس الوقت لا يسمح لمخادع مكّار لئيم خبيث أن يلعب عليه ويخدعه.
ورجل العقيدة رجل نبيه، لما سار عمرو بن العاص رضي الله عنه بجيشه إلى الرملة وجد الروم عليهم الأرطبون، وكان أدهى الروم، وقد وضع بالرملة جنداً عظيماً، فأقام عمرو رضي الله عنه مع الجيش بأجناده، لا يقدر من الأرطبون على سقطة ولا تشفيه الرسل؛ يُرسل الرسل لكي يأتون له بالأخبار عن ملك الروم، لكن الأخبار التي يأتون بها غير كافية، فقرر عمرو بن العاص رضي الله عنه أن يذهب بنفسه وهو أمير الجيش على أنه رسول إلى ملك الروم يدخل في عسكرهم ويرى، فدخل على أنه رسول وبلغ الرسالة لملك الروم، وسمع كلامه وتأمل حضرته، وعرف ماذا يدور، فقال الأرطبون في نفسه وكان داهية: والله إن هذا لـ عمرو، أو أنه الذي يأخذ عمرو برأيه، وما كنت لأصيب القوم بأمر هو أعظم من قتل هذا الرجل، لأن بعض الكفار عندهم خبرة، فنادى هذا القائد حرسياً قال: تعال، وهمس في أذنه قال: إذا مر بك هذا الرجل -رسول المسلمين- فاذهب واختبئ في الموضع الفلاني، فإذا مرَّ بك فاقتله، فعلم عمرو رضي الله عنه أن المسألة فيها خديعة، فماذا قال للأرطبون؟ قال: أيها الأمير! إني قد سمعت كلامك -أي: المراسلة التي كلمتك عنها وسمعت كلامي- وإني واحد من عشرة بعثنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لنكون مع هذا الوالي -أي: عمرو بن العاص - لنشهد أمورهم، وقد أحببت أن آتيك بهم ليسمعوا كلامك ويروا ما رأيت أنا، فقال الأرطبون: نعم.
فاذهب فأتني بهم، ودعا رجلاً، وقال: قل للحرسي لا يقتل هذا الرجل.
فخرج عمرو بن العاص وسرى من الجيش، ولما وصل إلى جيشه دخل فيه، ثم تحقق الأرطبون أن هذا هو عمرو بن العاص، فقال: خدعني هذا الرجل، والله إنه أدهى العرب.
وبالنسبة لإرهاب الكفار والكذب عليهم في الحرب، فيقول ابن كثير رحمه الله في البداية: قال خالد لـ ماهان؛ في مقابلة جرت بينهما: إنه لم يخرجنا من بلادنا ما ذكرت، غير أنا قومٌ نشرب الدماء، وأنه بلغنا أنه لا دم أطيب من دم الروم، فجئنا لذلك، فقال أصحاب ماهان: هذا والله ما كنا نُحدث به عن العرب.