الجدية مفقودة في جوانب كثيرة أيضاً مثلاً: الجدية في طلب العلم: تجد بعض الشباب مثلاً ما عنده نَفَس في القراءة، ولا عنده صبر في الجلوس في حلق الذكر والعلم.
يعني: لا يقرأ، لو أن أحداً ممن يدعوهم إلى الإسلام قال له: ما هو الدليل على حرمة سماع الأغاني؟ قد لا يستطيع أن يأتي بدليلٍ صحيح، لو أن امرأة سألته ما هو الدليل على وجوب ستر الوجه وتغطيه الوجه؟ قد لا يأتي بهذا الدليل، ربما لو سئل ما هو الدليل لوجوب الصلاة في الجماعة في المسجد؟ قد لا يستطيع أن يقدم الدليل.
وقضية حفظ الأدلة قد تكون ناقصة جداً، فتراه يقول: ورد في آية أو جاء في حديث أو كما قال أو فيما معناه، ليس هناك اهتمام بحفظ العلم والنصوص، وترى هؤلاء الأقوام يشتغلون بأشياء يملئون بها فراغهم، لكنها لا تدر عليهم مردوداً جيداً، مثلاً يغرقون في سماع الأناشيد أو التمثيلات مثلاً، هذه أشياء طيبة لا ننكر أن لها تأثيراً جيداً، لكن أن أذهب إلى سيارة أحد الشباب وأستعرض الأشرطة الموجودة، أجد أنها كلها أشرطة أناشيد وأشرطة حفلات وأشياء من هذا القبيل، ولا أجد شريطاً واحداً في تفسير آيات أو فيه شرح متن فقهي، بل إنهم يحفظون أبيات هذه الأناشيد حفظاً يفوق حفظ الآيات والأحاديث، لو قلت له أكمل هذه الآية، أو أكمل هذا الحديث ربما لا يستطيع! لكن لو أعطيته أول النشيد سرده حتى النهاية! وأيضاً مع أنهم يشغلون أنفسهم بهذا، فإنهم يذهبون مع اللحن، فتجد أحدهم يطرب ويترنم وهو يقود السيارة، أو وهو جالس في البيت يترنم بالألحان، ولو أنك أيقظته على معنى من المعاني ربما قال: هذه أول مرة أفكر في هذا، مع أن بعض هذه الأشعار تحتوي على معانٍ جميلة ومعانٍ قوية ومهمة، لكنهم في إغراقهم في هذه القضايا لا يتذكرون حتى معاني الأشياء التي يرددونها.
هل يفكرون مثلاً في قول الشاعر:
إخوانكم لا شيء أغلى منهم لا شيء يعدلهم من الأشياء
لا تتركوهم للضياع فريسة ترك الشباب أساس كل الداء
وغيرها كثير، أم أنه يشغلهم اللحن عن التفكر في هذه الأشياء، وتشغلهم هذه الأشياء بعمومها عن طلب العلم، يغرقون فيها، أنا لست ضد الاستفادة من هذه الأناشيد والجيد منها الذي كلماته طيبة، وليس فيه مشابهة لألحان الفساق والأغاني الماجنة كما يحلو للبعض أن يفعل في تلحين الأناشيد، لست ضد هذه الفكرة والاستفادة منها وبالذات فيمن يترك الآن تدريجياً الأغاني، فقد تكون بديلاً، لكن ليس من المعقول أن رجلاً قد درج في طريق الالتزام سنوات وهو لا يزال الوقت الأكبر من حياته يقضيه في سماع هذه الأشرطة، فقليلاً من الجدية في الالتفاف إلى العلم الشرعي إلى التعلم، والعلم -أيها الإخوة- سلاح المؤمن، وهؤلاء العلماء الكبار -نسأل الله أن يحفظهم- كم أعمارهم الآن؟ أليسوا في الستين والسبعين والثمانين، فإذا ذهبوا إلى ربهم فمن يبقى ليعلم الأمة، لا تحتقر نفسك، لا تقل أنا لا أستطيع أن أفعل، وكيف أصل إلى ذلك المستوى، وأنى لي؟ لا، ليس المطلوب أن تصل إلى ذلك المستوى؟ ليس المطلوب أن نكون كلنا من أمثال المشايخ المعروفين، لكن يا أخي على الأقل بعض الدرجات في هذا السلم، وما لا يدرك كله لا يترك جله، لكن بعض الشباب قد يحتقر نفسه، قد يقول: أنا ماذا أفعل؟ حتى في باب الدعوة إلى الله يقول: أنا لست صاحب سلطة في البيت، ولا أنا الذي أصرف عليهم فيسمعون كلامي من باب الضغط المادي، ولا أن سني كبير فيحترموني، فأنا ماذا أقدم؟ لا، لا تقل هذا فإن في الأمثلة الواقعية ما يرد هذه المزاعم، وقد وجد ولله الحمد من صغار هؤلاء سناً من أثَّر في أهله، فالتزم إخوانه بالدين وتحجبت الأخت والأم، وامتنعت عن الخروج مع السائق بدون محرم، والأب كان لا يصلي وصار يصلي، وبعضهم يؤثر في أهل الحي والجماعة في المسجد.
فإذاً من كان داوود عليه السلام قبل أن يقتل جالوت كان غير معروف، صغير السن في مقتبل العمر {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} [البقرة:251].
فإذاً: لا يحتقر الإنسان نفسه، وهذا مدخل شيطاني ليحطم به معنويات المؤمنين ويردهم عن الاشتغال بالدين والدعوة إليه يقول: ماذا أستطيع أن أفعل وأنا ذاكرتي ليست كذاكرة الشيخ الفلاني، كيف تريدني أن أطلب العلم؟ صحيح أن الله عز وجل فضل بعضنا على بعض درجات، ورفع بعضنا فوق بعضٍ درجات في الذاكرة، في الذكاء، وفي المال، وفي كل الأشياء، وفي القوة الجسدية، لكن كل واحد يعمل بحسب استطاعته، أنت تعمل بحسب استطاعتك، وأنا أعمل حسب استطاعتي، والأخ يعمل بحسب استطاعته تكاتفت الجهود وظهرت النتائج.