إذا أتيت مثلاً إلى جانب الأخلاق تجد طائفة في ظاهرها التمسك بالدين، وقد يدعو إلى الله عز وجل، لكن أخلاقه في غاية السوء، أخلاق سوقية، فيعامل إخوانه بشراسة وضيق نَفَس، ويتمثل العناد والأنانية في تصرفاته، بل إنك إذا أتيت لكي تقربه منك في الصلاة وتجذبه قليلاً، قال بيده هكذا، لأنه لا يريد أحداً، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (ولينوا بأيدي إخوانكم) هذا لا يرضى أنك تسحبه في الصف، عنده من العنجهية والعناد والكبر ما يرفض معه أن ينقاد إلى معروفٍ مثل هذا المعروف، وقد تكون علاقته بإخوانه حسنة، لكنه إذا انقلب إلى أهله أذاقهم الويل والثبور وعظائم الأمور في تعامله وسلوكياته مع أبيه وأمه وإخوانه وربما الزوجة والأولاد، كيف ترضى أن تكون ملتزماً في ظاهرك داعياً إلى الله وتطلب العلم وبعد ذلك تأتي في قضية الأخلاق والتصرفات، فتكون أخلاقك في غاية السوء؟ يعني: كيف يسمى هذا التزاماً؟! ومن أجل هذا يأخذ الآخذون علينا، ويقول السفهاء من الناس: هذا فلان الديَّن الملتزم كما أنتم تريدوننا أن نكون انظر كيف يعامل زوجته، وهذه الزوجة، أو الأولاد، أو الأقارب إذا نقلوا شكواهم إلى من يحيطون بهم وتسربت الأخبار الدقيقة عن حال هذا الشخص في بيته كيف يعامل أباه وأمه وإخوانه وجيرانه وأرحامه، ماذا يقول الناس؟ هذا هو الدين؟ هؤلاء هم الناس الذين تريدونا أن نصبح مثلهم؟ من السبب في إعطائهم الصورة المشوهة؟ نحن الذين لم نحسن التخلق بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولذلك بعض الناس قد لا يبعدون عندما يقولون: يا أخي هذا الرجل صحيح أنه غير ملتزم بالدين في ظاهره، لكن يا أخي أخلاقه طيبة، تعامله ممتاز، يا أخي هذا أحسن من ستين واحد من هؤلاء، لماذا يقولون هذا الكلام؟ لأنهم فقدوا جانباً عظيماً من جوانب الإسلام في شخصياتنا، وهو جانب التعامل والسلوك والأخلاق، وأنا عندما أتكلم بالجميع فأنا منكم، وعندما أقول هذا الكلام فهو من باب التواصي بالحق والصبر.
وقضية الأخلاق والسلوك من الأشياء التي يتأثر بها الناس جداً، الناس يتأثرون بأخلاقك وسلوكك أحياناً أكثر مما يتأثرون بتصوراتك أو مظهرك، أحياناً ما عندهم موازين من يقولون: لا إله إلا الله ما هي هذه التصورات الممتازة؟ ما هي هذه الأفكار الجيدة؟ ما هذا السمت النبوي؟ قد لا يقولون هذا، لكنهم يقولون: ما هذا التعامل الجيد؟! ما هذه الأخلاق العظيمة؟! يتأثرون بهذا الجانب أكثر مما يتأثرون بتلك الجوانب، مع أن الأخلاق قد تكون أهم جانب، لكن الناس ما عندهم هذا التمييز، ما عندهم القدرة على أن يميزوا الأهميات والأولويات، فلذلك الذي يرونه من التعامل هو الذي يحكمون به عليك، ولذلك ترى الآن أهل الباطل زينوا باطلهم بأسلوبهم الحسن من أمثال المنصرين والمبشرين بالنار، زينوه لبعض الناس حتى رأوه حقاً، ونحن أو بعضنا بتعامله والخطأ في تقديم الأفكار الصحيحة للناس يرونه باطلاً، مع أنه يقدم لهم الحق، لماذا يحصل هذا؟ للتعامل السيئ والأسلوب الفظ والغليظ في عرض الإسلام عليهم، دعوتهم كأنك ترغمهم بالقوة، كأنك تغصبهم، قد يقدم الكلام للبعض العاملين للإسلام من موقع الأستاذية، فيفرضه على الناس فرضاً، يقدمه لهم بأسلوب جاف وغليظ، ولذلك لا يطيعونه ولا يتابعونه في أفكار دعوته، هو الذي أساء إلى دعوته، لأنه أساء عرضها، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يهتم بالأسلوب كما كان يهتم بالمضمون، كان يهتم بالجوهر وأيضاً يهتم بالقالب الذي تقدم فيه هذه الأفكار للناس: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً} [طه:44] هذا أسلوب {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44].
وهذه المسألة الأخيرة هي التي تفقد وتعدم القدوات بين الناس، لأن الناس لا يرون القدوة الصحيحة التي يقتدون بها، ويعتبرون هذا النوع من الدين كما يسمونه مرفوضاً، بسبب عدم قناعتهم بالشخصيات التي تعرض الحق، هذه مسألة مهمة، عدم قناعة الناس بالشخصيات التي تعرض عليهم الدعوة إلى الله، عدم قناعتهم بالشخصيات التي تعلمهم، هذا من أسباب رفض الحق.