يقول بعض هؤلاء من الصوفية وغيرهم: إن الصحابة لم يفتحوا البلدان، ولم يصلوا إلى المنزلة العالية من الدين، إلا بعد أن تركوا الدنيا وتفرغوا تفرغاً تاماً للعبادة والجهاد فما صحة هذا الكلام؟
صلى الله عليه وسلم إن هذا الكلام فيه تعسفٌ ومنافاة لمصلحة الإنسان وفطرته التي فطره الله عليها، وبعيدٌ عن الحكمة والعقل السليم والواقع، وهو مغاير قبل ذلك كله لحال الصحابة رضوان الله عليهم، وللرد على تلك المزاعم نريد إلقاء الضوء على النظرة الشرعية للعمل الدنيوي والكسب أولاً، وكيف طبق الصحابة ذلك في حياتهم ثانياً؟ أما المسألة الأولى: فقد قال الله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص:77]، قال ابن كثير رحمه الله: "أي: استعمل ما وهبك الله من هذا المال الجزيل، والنعمة الطائلة، في طاعة ربك والتقرب إليه بأنواع القربات، التي يحصل لك بها الثواب في الدنيا والآخرة".
قوله تعالى: {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص:77] هذه الآية فيها تفسيران: الثاني: أي: لا تنس ما أباح الله فيها من المآكل والمشارب والملابس والمساكن والمناكح، فإن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، ولزورك -أي: ضيوفك وزائريك- عليك حقاً، فأعطِ كل ذي حقٍ حقه.
وقال الحسن وقتادة: [أي: لا تضيع حظك من دنياك في تمتعك بالحلال وطلبك إياه].
وهذا مثل قول ابن عمر رضي الله عنه: [احرث لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً] وقال الحسن: [قدم الفضل وأمسك ما يبلغ] وقال مالك: "هو الأكل والشرب بلا سرف".
هذا معنى: لا تنس نصيبك من الدنيا لا تنس الحلال فهو نصيبك من الدنيا.