إذاً: أيها الإخوة! المنعطفات والمزالق كثيرة في قضية فهم الآيات، ومن هذه المزالق والمنعطفات قضية الفتنة التي حصلت بهذا العلم التجريبي عند الكفار، مما جعل بعض المسلمين يتهافتون تهافتاً على إخضاع الآيات والأحاديث لنظريات الكفار، فنتجت عن هذه أشياء عجيبة جداً مذهلة، هذا مصطفى محمود يقول: {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً} [نوح:14] هذا يؤيد نظرية دارون، في أن الإنسان أصله خلية، وبعد ذلك صار برمائيات وزواحف وثدييات، وبعد ذلك صار قرداً، وبعد ذلك صار إنساناً، لأن الله يقول: {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً} [نوح:14] يعني: كان في طور من أطواره خلية، ثم صار برمائياً، وطور صار فيه زواحف، وطور صار فيه ثديات، هذا فهمه، وله كتاب خطير جداً القرآن محاولة لفهم عصري كله من هذه الخرافات والشعوذات، هكذا فهم خلقناكم أطوار، مع أن المفهوم الصحيح لخلقناكم أطواراً نطفة، علقة، مضغة، عظاماً، فكسونا العظام لحماً، هذه الأطوار، وهذه خطورة عدم الاعتماد على أقوال المفسرين من السلف، حيث أدى إلى هذه النتيجة الوخيمة.
وأحدهم قال: أما تدري أن المكيف موجود في القرآن؟ كيف يكون المكيف موجوداً في القرآن؟! قال: أليس الله يقول: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:13] يعني: من الداخل رحمة وبرودة، ومن خارج عذاب وحر، يعني: هذا المكيف موجود في القرآن، هذا يوم القيامة يضرب بين الكفار والمؤمنين بسور له باب داخله فيه الرحمة: الجنة ومما يلي المؤمنين، ومن قبله العذاب مما يلي الكفار، هذا السور الذي يضرب بينهم، فهذا الأخ يقول: ورد المكيف في القرآن.
وأحدهم يقول: الطائرات موجودة في القرآن؟ كيف؟ قال: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق:4] الطائرات النفاثات في القرآن.
وأحدهم يقول: الذرة هذه مكتشفة: {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [الزلزلة:8].
أيها الإخوة: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور:35] أحد المؤلفين له كتاب فيه، قال: هذه تدل على أشعة الليزر، وظل يقول: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ} [النور:35] وأن أشعة الليزر تتولد من مصباح في زجاجة، وتوضع في فهو مثل الكوة، وتخرج أشعة لا هي شرقية، ولا هي غربية، ويؤلف تأليفاً كله من هذا الباب العجيب.
ولذلك أختم كلامي بقول الشنقيطي رحمه الله -وهو مهم جداً في هذا الموضوع- في أضواء البيان: واعلم وفقني الله وإياك أن التلاعب بكتاب الله جل وعلا وتفسيره بغير معناه لمحاولة توفيقه مع آراء الكفرة والإفرنج -مثلما فعل هذا في نظرية دارون وغيرها- ليس فيه شيء ألبتة من مصلحة الدنيا والآخرة، وإنما هو فساد الدارين، ونحن إذ نمنع من التلاعب بكتاب الله وتفسيره بغير معناه نحض المسلمين على بذل الوسع في تعلم ما ينفعهم من هذه العلوم الدنيوية مع تمسكهم بدينهم كما قال الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60].
وهذا كلام نفيس جداً، يقول: نحن لا نخضع الآيات، لكننا نقول للمسلمين ادرسوا وتعلموا هذه العلوم حتى تنصروا بها الدين.
فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من القارئين لكتاب الله، اللهم اجعلنا ممن يقرءون كتابك فيحلون حلاله ويحرمون حرامه ويؤمنون بمتشابهه، واجعلنا ممن يقيم حدوده وحروفه، ولا تجعلنا ممن يقيم حروفه ويضيع حدوده، واجعله شفيعاً لنا يوم القيامة، واجعله حجةً لنا لا حجةً علينا بحولك وقوتك يا رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.