عقد الخطيب رحمه الله تعالى باباً في هذا الكتاب بعنوان: باب ما جاء من الوعيد والتهديد والتشديد لمن قرأ القرآن للصيت والذكر ولم يقرأه للعمل به واكتساب الأجر، وساق حديث النبي صلى الله عليه وسلم، عن أبي هريرة: (أول الناس يُقضى فيه يوم القيامة رجلٌ أوتي به فعرفه نعمه فعرفها، فقال: ما عملتَ فيها؟) قال: في الحديث: (ورجلٌ تعلم العلم والقرآن فأتى به الله فعرفه نعمه فعرفها، فقال: ما عملتَ فيها؟ قال: تعلمت العلم، وقرأت القرآن وعلمته، فقال: كذبت! إنما أردت أن يقال: فلانٌ عالم، وفلانٌ قارئ، فأمر به فسحب على وجه حتى ألقي في النار).
وقال الحسن رحمه الله: [إنه تعلم هذا القرآن عبيدٌ وصبيان لم يأتوه من قبل وجه، ولا يدرون ما تأويله، قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29]-ما تدبر آياته؟ اتباعه بالعمل- وإن أولى الناس بهذا القرآن من اتبعه، وإن لم يكن يقرأه].
يقول بعض القراء والحفظة: تعال نتنافس أنا وإياك في القراءة ومن أحفظ ومن أجود ومن أتقن، ولا ينظرون إلى مسألة العمل قال عمر رضي الله عنه: [لا يغرنكم من قرأ القرآن إنما هو كلامٌ يتكلم به، ولكن انظروا من يعمل بالقرآن].
ولذلك فإن هناك أناساً قد أقاموا حروف القرآن وعطلوا معانيه وحدوده: (وقد حدَّث النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به على قومٍ تقرض شفاههم بمقارض من نار، كلما قرضت وفت ورجعت، فقلتُ: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: خطباء من أمتك يقولون ولا يفعلون، ويقرءون كتاب الله ولا يعملون).
ولذلك كانوا يحذرون من القراء الذين لا يعملون بالقرآن، فقال أيوب السختياني: [لا خبيث أخبث من قارئٍ فاجر].
وقال مالك بن دينار: "لأنا للقارئ الفاجر أخوف مني من الفاجر المبرز أو المبرز بفجوره" لماذا؟ لأنه الفاجر المبرز بفجوره تعلم أنه فاجر فتحذر منه، لكن الذي يلبس عليك، يظهر بشكل قارئ وصاحب دين، ولباس أهل العلم، وهو في الحقيقة بخلاف ذلك، فهذا يغتر وينخدع الناس به، فيضلهم.