إيها الإخوة: إن حساسية بعض الناس من النقد تجعله يترك العمل، ويقول في نفسه: لماذا أصبر على لوم الناس؟ وما الذي يجبرني على تحمل هذه الانتقادات؟ فيترك العمل، وهل الدين إلا مناصحة، ودلٌّ على العيوب؟ كما قال عمر رضي الله عنه داعياً ربه: [رحم الله امرأً أهدى إلينا عيوبنا] وكذلك كان الصالحون يطلبون النقد لأعمالهم والتصحيح، ولذلك قال ميمون بن مهران رحمه الله: قولوا لي ما أكره في وجهي، لأن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.
وليس المقصود إساءة الأدب، ولا التطاول والتعدي، ولكن يكون النصح في بعض الأحيان ثقيلاً على النفس؛ لأن فيه نوع انتقاد، ألا فلا ينبغي أن يمنع هذا، أو أن يترك الإنسان العمل لأجل خوف نقد الآخرين، فإن شخصية المسلم ليست شخصية هزيلة، وإن مرضاة الناس لا تقدم عنده على مرضاة الله عز وجل.
ثم إن بعض هؤلاء يقولون: إن الآخرين لا يقدرون جهودنا سبحان الله! وهل نحن نعمل لأجل أن يقدر الآخرون جهودنا؟ إننا نعمل لوجه الله {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً} [الإنسان:9] وكل ما لا يراد به وجه الله يضمحل ويذهب.
أيها الإخوة: إذا كان القصد أن يثني الناس على أعمالنا فقد هلكنا والله، فينبغي أن نعمل سواءً قدر الآخرون جهدنا وأثنوا علينا، أو لم يثنوا علينا، ذكرونا بخير أو ذكرونا بغيره، فإنه ينبغي علينا أن نعمل لأن الثناء من الله هو مقصودنا، وكذلك ينبغي أن يكون الثواب من الله عز وجل هو الباعث لنا على العمل، لا ثناء الناس ولا مدحهم.
أيها الإخوة: إننا في حال نحتاج فيه إلى أن نصبر أنفسنا مع العمل للإسلام، وألا نتغير مزاجياً مع الأمور والأودية والأنواع والمجالات، فلا نتم هذا ولا نتم هذا، بل (إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه) فإذا أمسكت بعمل -يا عبد الله- فأتمه وأتقنه.
ولم أر في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام
فاثبت عليه وأتمه وأتقنه، وعند ذلك تكون منجزات تحسب لك عند الله عز وجل، أما الانقطاع في منتصف الطريق، والتغير من مكان إلى مكان، دون أن يكون في ذلك مصلحة شرعية، فهي من خدع إبليس، يريدك ألا تتم هذا ولا تكمل هذا، حتى لا تظهر الثمرة ولا يُنتفع بالعمل.