الحمد لله الذي لم يزل عليماً خبيراً، قد أحصى كل شيء ولا يفوته شيء، وخلق كل شيء فقدره تقديراً، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وكان بعباده خبيراً بصيراً، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً.
إخواني الأحبة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: فإنني أسأل الله كما جمعنا في بيته هذا، أن يجمعنا في دار كرامته ومستقر رحمته وفسيح جنته، النفس أيها الأخوة تزكو بالذكر، والبلد يزكو بحلق الذكر ودروس العلم، فتصبح الملائكة في شوارعها وأحيائها تذهب وتجيء، وتصعد وتنزل ملتزمة حلق الذكر؛ فتتنزل السكينة وتعم الرحمة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لله ملائكة يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم، فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم الحديث إلى أن قال في آخره: أن الله يقول للملائكة: فأشهدكم أني قد غفرت لهم) رواه البخاري.
وفي رواية أحمد (إن لله عزَّ وجلَّ ملائكة فضلاً يتبعون مجالس الذكر يجتمعون عند الذكر، فإذا مروا بمجلس علا بعضهم على بعض حتى يبلغوا العرش الحديث) اللهم اجعلنا في هذه الساعة من أهل هذا الحديث يا رب العالمين، اللهم اجعل هذا البلد آمناً وارزقهم من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر.
وقبل البداية أيها الأخوة، لابد من شكر المسئولين والقائمين على هذه السلسلة الطيبة التي استمعتم إلى عدد من دروسها في هذا المكان الطيب، فجزى الله بالخير كل من تسبب في قيامها وتنفيذها والإعانة عليها ابتغاء وجهه الكريم.
أيها الأخوة: درسنا لهذه الليلة أحكام وعظات، ونظرات تربوية في استدراك ما فات، وسبب الحديث عن هذا الموضوع أن هناك ملحظاً فيما يخص مسألة التفويت والتضييع، والاستسلام لليأس، وعدم السعي إلى الإصلاح والاستدراك.
أناس كانوا في جاهلية فهداهم الله، وبعضهم كانوا في بدعة فأنقذهم الله، فكيف يعوضون ما مضى من عمرهم؟ وآخرون تردت أحوالهم، وضعف إيمانهم، وانتكست مسيرتهم، وبردت هممهم، واعتراهم من الشيطان ما اعتراهم، ومسهم من كيده ما آذاهم، فوقفوا يتلمسون الطريق.
ولهم أصحاب يدعونهم إلى الهدى ائتونا، قل إن هدى الله هو الهدى، وبعض هؤلاء يحاولون الرجوع، وبعضهم لا يزالون في أمرهم يترددون فلنلق نظرة على هذا الموضوع، وأجد أنه بحق موضوع مهم لنا جميعاً (استدراك ما فات) ننظر ماذا قال العلماء في هذا الموضوع، وكيف يمكن أن نستفيد منه في مسيرتنا وحياتنا