ومن القوادح في الإخلاص التي ينبغي أن تعالج الأول: أن يطلب العبد بعمله العوض من المخلوقين كيف ما كان هذا العوض، وهذا العوض قد يكون أشياء كثيرة، منها: التزين في قلوب الخلق؛ حتى يكون له عند الناس شأن ووزن.
الثاني: طلب مدحهم؛ فيعمل العمل لأجل أن يمدحه الناس.
الثالث: النجاة من ذمهم؛ فبعض الناس يعملون أعمالاً لا لله، في القتال مقدام حتى لا يقال عنه: جبان، يحسن الصلاة حتى لا يقال عنه: فلان يسرع في صلاته مثلاً، فينجو من ذم الناس.
رابعاً: طلب تعظيمهم؛ أن يعظموه.
خامساً: طلب أموالهم، مثلاً واحد يخلص في العمل، ويتظاهر بالأمانة؛ لكي يحصل على وظيفة؛ وبعض الناس يظهر بمظاهر التقى والصلاح؛ لكي يستأمنه رب العمل فيوظفه عنده، ويقول رب العمل في نفسه: فلان هذا تقي وورع، فلان هذا مناسب أن أضعه في هذه الوظيفة، فيضعه في هذه الوظيفة، وقد يعمل العمل أيضاً بدافع طلب خدمتهم ومحبتهم، يعني: لكي يخدمه الناس، وكذلك بطلب قضاء حوائجه: كتزويجه منهم من بنتهم، فيخلص في العمل والعبادة الظاهرة حتى يقولوا: فلان ذو دين فنزوجه، ولذلك وصلنا أن بعضهم إذا تقدم لأناس فيزورهم كثيراً، فإذا سمع الأذان قام من عندهم للصلاة، وهو أصلاً إنسان غير حريص على الصلاة، فخدعهم من أجل أن يزوجوه.
فإذاً: يعرض للإنسان شوائب تقدح في إخلاصه، من التماس الأشياء من الناس على عمله الصالح، فكل شيء يراد به غير الله قادح ينبغي التخلص منه.
ولكي يقضي العبد على طلب هذه الأشياء من المخلوقين؛ انظر إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (يقول الله عز وجل إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء) وقال: (إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم القيامة ليوم لا ريب فيه، نادى منادٍ: من كان أشرك في عمله لله أحداً؛ فليطلب ثوابه من عنده؛ فإن الله أغنى الأغنياء عن الشرك، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك) وقال: (من عمل عملاً أشرك فيه أحداً غيري؛ تركته وشركه) ولذلك إذا تأمل العبد أنه يوم القيامة سيقال له: اذهب إلى الناس الذين رآءيت من أجلهم اطلب منهم ثواب العمل، وأنهم لن يعطوه شيئاً، فماذا سيكون موقفه؟