(إعجاب المرء بنفسه) فيرى أنه قد أدى عبادات، وأنه قد وصل إلى مراتب بينه وبين نفسه، ولكي تعالج هذا الإعجاب الذي يقدح في عملك عليك بالأمور الآتية: أولاً: أن تعلم أن الله عز وجل حقه أكبر مما عملت، يمكن لو وزنت أعمالك كلها يوم القيامة ما ساوت نعمة البصر مثلاً، عند ذلك تعلم أن عملك لا شيء فكيف بالنعم الأخرى؟ كيف بنعمة الهداية! كيف بنعمة الإيمان! وتعلم أيضاً أن الذي وفقك لهذا العمل هو الله عز وجل، إذاً: فلماذا تعجب به، وهو ما جاء من عندك، والله الذي وفقك له.
وكذلك من الأمور التي تعالج العجب بالعمل: أن تشعر إذا عملت عملاً بشدة الحياء من الله عز وجل قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون:60] أي: إنك إذا تصدقت بصدقة أو عملت عملاً طيباً، فليكن إحساسك بالحياء من الله عز وجل، لأنك تقدم شيئاً وتخشى ألا يقبل، وحق الله أعظم من هذا، ولذلك الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف ألا يقبل منه، فهذا الذي يعمل هذه الأعمال ثم يخاف ألا تقبل منه، هو الذي نجا من الإعجاب بنفسه.
وكذلك أن تعلم -كما ذكرنا قبل قليل- أن عملك منة من الله وليست من نفسك، وفضلٌ من الله وليست فضلاً من عندك، وتوفيق من الله وليس توفيقاً من عندك قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان:30] فالخير عند العبد من الله: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} [النور:21] ولذلك كان كلام أهل الجنة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف:43] لاحظ {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف:43] {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} [الإسراء:74] فالله عز وجل يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: لولا أن ثبتناك يا محمد لقد كدت تركن إلى الكفار شيئاً قليلاً، فمن الذي ثبتك؟ {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:7].
إذاً: إذا أقبل الواحد على الطاعات وأحس بحلاوتها، فالذي أوجد في نفسه هذا الدافع هو الله، والذي حبب إليه الإيمان وزينه في قلبه هو الله.
وكذلك من الأشياء التي تقضي على الإعجاب بالعمل: أن تعلم أن كل عمل مهما عظم؛ فإن للشيطان فيه نصيباً ولو قل، وقال صلى الله عليه وسلم عن الرجل الذي يلتفت فجأة في الصلاة ثم يرجع: (هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد) هذا اختلاس النظر فكيف باختلاس القلب! فإذا عرفت أن كل عمل عملته قد يكون للشيطان فيه نصيبا، ً تعلم أن عملك معيب، ولذلك لا يمكن أن تعجب بعملٍ معيب وناقص.