فأما المسابقة بغير جوائز كالمسابقة على الأقدام، وبالسفن والبغال والحمير، والمصارعة، ورفع الحجر ليعرف الأشد، والمسابقة على الأقدام قد وردت بالسنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة؛ فمثل هذه المسابقات جائزة إذا كانت بغير جوائز، وبغير عوض كما ذكر ذلك الفقهاء رحمهم الله تعالى، أما المسابقات التي فيها إيذاءٌ للنفس، أو التي فيها فعل محرمات أو التي فيها لبس قصيرٍ وإظهار عورة، ودق طبولٍ ومزامير، وإضاعة للصلوات، فلا شك أنها حرام، سواء كانت بعوضٍ أو بغير عوض.
أما النوع الثاني من المسابقات: وهو المسابقة بعوضٍ وجوائز كغالب المسابقات اليوم؛ فلا شك أن جمهور الفقهاء ذهبوا إلى أنه لا يجوز السباق بعوض إلا في النصل والخف والحافر؛ لأجل حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا سبق إلا في نصلٍ أو خفٍ أو حافر) أي: لا جائزة تجعل للسباق ولا عوض إلا في هذه الأشياء الثلاثة.
قال ابن قدامة -رحمه الله-: المراد بالنصل هنا السهم، وبالحافر الفرس، وبالخف البعير، فهذا المقصود به المسابقة بجوائز وعوض في كل ما يعين على الجهاد، وذهب بعض الفقهاء رحمهم الله، إلى إلحاق الرماح، والرمي بالأحجار بمقلاعٍ، والرمي بالمنجنيق ونحوه، والتردد بالسيوف والرماح، أن ذلك داخلٌ فيما يجوز بعوض؛ لأنه يعين في الجهاد.
وكذلك المسابقة في الرمي بالآلات الحديثة، جائزة بعوض قياساً على ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال الفقهاء رحمهم الله: ولا تصح المسابقة بعوضٍ على كرة الصولجان، وكان عندهم لعبة يركب فيها بعض الناس دوابَّ، ويقذفون بالكرة بعضهم إلى بعض، قال العلماء: لا تصح المسابقة بعوض -بجوائز- على كرة الصولجان، ولا على الشطرنج، ولا على الوقوف على رجلٍ واحدة ليُنظَر من الذي يصمد أكثر، ولا على معرفة ما في يده شفع أو وتر فإن قال: اعلم ما في يدي إذا كان خمساً أو ستاً أو سبعاً أو شفعاً أو وتراً ولك كذا فهذا لا يجوز، وكذلك سائر أنواع اللعب كالمسابقة على الأقدام؛ لأن هذه الأمور لا تنفع في الحرب؛ كاللعب بكرة الصولجان والشطرنج فإنه لا يجوز جعل الجوائز فيها؛ فضلاً عن كون بعضها محرماً عند كثيرٍ من أهل العلم.
ولا تصح المسابقة بعوضٍ على الكلاب ومهارشة الديكة ومناطحة الكباش بلا خلافٍ بين أهل العلم، وذهب بعضهم إلى جواز جعل الجوائز على مسابقات الغطس لأنه يستعان به في الحرب.
فأنت ترى -رحمك الله تعالى- أنهم إنما أباحوا الجوائز على المسابقات التي فيها تدربٌ على الجهاد وإعدادٌ للعدة فيه؛ لأن هذه الأمة أمة جهاد، ولا يجوز لها ترك الجهاد، ولو تركت الجهاد ذلت؛ ولذلك حثت الشريعة على كل ما يعين على الجهاد، وأباحت الجوائز بالمسابقات على كل ما يعين على الجهاد، وأما غير ذلك فلا يجوز جعل الجوائز فيه على قول جمهور العلماء، وألحق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وتلميذه ابن القيم رحمه الله جعل الجوائز على مسابقات حزب القرآن الكريم والحديث، ونشر العلم والسنة، والدين والشريعة الإسلامية قياساً على إباحة الجوائز في مسابقات الجهاد؛ لأن ذلك مما يرفع شأن الدين ويقويه، أما جعل الجوائز على مسابقاتٍ لا علاقة لها بالعلوم الشرعية، ولا علاقة لها بالجهاد؛ فإن جمهور العلماء أخبروا على تحريم ذلك، وأن المال الذي يؤخذ منه حرامٌ لا يجوز.