الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وأشهد أن لا إله إلا هو ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، سيد ولد آدم.
ومما ينبغي عمله -يا إخواني- كذلك مع هؤلاء الناس الذين يصدقون بهذه الترهات: أن نزيل استغراباتهم من بعض الحوادث الحقيقية التي تقع، ونبين لهم ما هو سبب وقوعها؛ حتى نسد عليهم الطريق أمام الذهاب إلى العرافين والكهان.
فبعض الناس سمعتهم يشكون ويقولون: تختفي علينا الأموال من بيوتنا بطريقة عجيبة! نغلِق عليها، ونضعها في أماكن لا يعرفها أحد، ولا يدخل الغرفة أحد لا خادم ولا خادمة ولا إنسان، ولا يمكن أن يصل إلى ذلك المكان أحد، أو جميع مَن في البيت موثوقٌ فيهم، ومع ذلك اختفت الأموال، فقد يأتي هؤلاء الشيطانُ فيقول لهم: اذهبوا إلى الساحر أو الكاهن الفلاني حتى يعلمكم من الذي أخذها؟ وأين توجد؟ فيقعون في شيءٍ من الشرك.
ولكن إذا راجعنا نصوص أئمة الإسلام لوجدنا الجواب واضحاً: قال شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى عن بعض الأشياء التي يقوم بها بعض شياطين الجن، يقول: "وإما أن يأتيه بمال من أموال بعض الناس، كما تسرقه الشياطين من أموال الخائنين، ومن لم يذكر اسم الله عليه، وتأتي به".
فإذاً: هؤلاء الشياطين الذين ينفذون من الجدران، ويدخلون البيوت التي لم يقل صاحبُها عندما أقفل بابها: باسم الله، ولم يقل صاحب المال لما أودعه في مكانه: باسم الله، يستطيعون أن يذهبوا إلى المال فيخرجوه ويسرقوه من جوف البيت، ولم يرهم أحد، فيمكن أن يفعلوا هذا، ويأتون به إلى الكاهن، ويُنصح أولئك المساكين أن يأتوا الكاهن، فيذهبون للكاهن، فيقولون: لقد سُرِقْنا، أين المال؟ ابحث لنا عنه؟ فيقول: أنا آتيكم به، ثم يغيب ويخرج المال، وهو عين المال والمجوهرات والمصوغات التي سرقت، فيتعلق الناس بهذا الكاهن.
ومن الذي جلبها إليه؟! إنه الشيطان الذي سرقها من داخل البيت الذي لم يذكر فيه اسم الله.
ويقول شيخ الإسلام: "وأعرف في كل نوعٍ من هذه الأنواع من الأمور المعينة، ومَن وقعت له مما أعرفه ما يطول حكايته، فإنه كثيرٌ جداً".
كان شيخ الإسلام رحمه الله مركز معلومات، يأتيه الناس القاصي منهم والداني يشكون إليه، وهو يعلمهم التوحيد، ويكشف لهم الخداع والألاعيب.
هكذا يجب أن يكون موقفنا مع الناس.
فنقول له: قبل أن تضع نقودك سَمِّ الله، واحرص على أن تكون أموالك حلالاً، فلا تصل إليها الشياطين بإذن الله، هذا بعد أن يكون قد تأكد أنه لا أحد من أهل البيت قد سرقها؛ لأنها قد تكون حادثة سرقة عادية جداً.
كذلك من كشف ألاعيب هؤلاء وحِيَلهم: أن الشياطين تستطيع أن تتشكل، وتقلِّد أصوات بني آدم بدقة، فيقوم بعض جهلة العُبَّاد ينادون أولياء الله الميتين أو الأحياء يقول: يا سيدي فلان! اشفِ مريضي، فيقلد الشيطان صوت ذلك الميت؛ لأنه كان قد ضبطه، أو الحي البعيد، فيقول: نعم، قد أجبتك، فيظن هذا المسكين أنه قد دعا ذلك السيد أو الولي فأجابه، وهذا أيضاً من الأشياء التي ذكرها شيخ الإسلام رحمه الله.
وقد يخبرك يوماً من الدهر إنسانٌ أنها قد حدثت له، أو قال لك: أسمع أصواتاً لا أدري من أين مصدرها أسمع شخصاً يناديني باسمي وألتفت فلا أرى أحداً.
ولقد حدثت قصص واقعية للسلف بسبب إيذاء الشياطين الذين يريدون أن يخيفوا بني آدم فينادونهم في الليل بأصواتهم وأسمائهم.
كذلك أيها الإخوة: يجب علينا أن نبين للناس ما حكم الأموال التي تُدفع إلى هؤلاء الكهان والمشعوذين؟ ونقول لهم: إن الأجرة التي تدفع لهؤلاء الناس حرام، وقد جاء في الحديث الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام: (نهى عن حلوان الكاهن، ومهر البغي).
حلوان الكاهن: هو الْحَلاوة الْمَالية النقدية الأجرة التي تدفع للكاهن من أجل قيامه بالعمل من كشف الغيب، وإزالة الضرر ونَحوِه.
وفي الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال: (حلوان الكاهن خبيث).
فإذاً: هذه الأجرة لا يجوز دفعها ألبتة.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "الأجرة المأخوذة على ذلك، والهبة، والكرامة التي تُعطى للساحر والمشعوذ والكاهن، حرامٌ على الدافع والآخذ".
وهناك مسألة وهي:- لو قال إنسان: أنا عندي عقارات وقد اكتشفت أن إحدى الشقق المؤجرة يسكن فيها أحد الكهان، وأن الناس يأتونه ليَقرأ لهم الغيب والمطالع والفأل، ويعالج أمراضهم بالشعوذة، ماذا أفعل؟ أقول لك: اسمع هذه الفتوى من شيخ الإسلام: "يحرم على الملاك -ملاك العقارات- والوكلاء -كأصحاب المكاتب العقارية مثلاً- إكراء الحوانيت أو غيرها من هؤلاء الكفار والفساق، إذا غلب على ظنهم أنهم يفعلون فيها هذا الجبت الملعون".
قال شيخ الإسلام: "ويجب على ولي الأمر وكل قادرٍ السعي في إزالة ذلك، ومنعهم من الجلوس في الحوانيت أو الطرقات، أو الدخول على الناس في منازلهم لذلك، وإن لم يفعل ذلك -أي: يغير المنكر- فيكفيك قول الله عز وجل: {كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة:79]، وقوله سبحانه وتعالى: {لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْأِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ} [المائدة:63] ".
يجب أن نتناهى عن المنكر، وأن نبين للناس هذا الدجل.
ثم قال شيخ الإسلام: "والقيام في ذلك من أفضل الجهاد في سبيل الله".
وختاماً أيها الإخوة: أُذكِّر كل مسافرٍ إلى أي بلدٍ من بلاد المسلمين، أو حتى بلاد الكفار في الإجازة القادمة؛ لأن كثيراً من إخواننا المقيمين في هذه البلاد يذهبون إلى بلادهم في الإجازة، أو من يذهبون إلى الخارج للعلاج وما شابه ذلك.
أذكرهم بأن عليهم واجباً أساسياً من الواجبات وهو: الدعوة إلى الله، ونشر التوحيد، ومحاربة الشعوذة بين أقربائهم ومعارفهم وأصدقائهم، في بلدانهم التي يذهبون إليها، ويتزودون لذلك بكتب التوحيد النافعة، وينشرونها بين الناس ويبينونها لهم.
وحتى -أيها الإخوة-: في بلاد الكفار -مع الأسف- لما نام أهل السنة في سباتٍ عميق، ماذا حصل؟! انتشرت بين الكفار الدعوات الصوفية والشعوذات باسم الإسلام.
ترى رجلاً أمريكياً دخل في الإسلام، فعندما تُدَقِّق في أحواله تجد أنه على دين الصوفية المخرفين، سواء ارتفع كفرهم أو نزلت بدعتهم.
فإن كان يؤمن بوحدة الوجود وهو: أن كل ما ترى بعينك فهو الله، فيكون قد انتقل من النصرانية إلى الردة والإلحاد.
وإن كان على بدعة مثل: حِلَق الذكر المبتدعة بالطبول، وهذا موجود في أمريكا وغيرها.
من الناس يزعمون أنهم دخلوا في الإسلام، ما وجدوا أمامهم إلا أولئك المنحرفين، ليعرضوا عليهم الصورة المحرفة المشوهة للإسلام من تلك الطرق المبتدعة، فيكون أحسن أحوالهم أنهم انتقلوا من دين النصرانية إلى البدع.
فنحن قد نقابل هؤلاء في سفرنا -مثلاً- الذي ينبغي أن يكون سفر طاعة أولاً وآخراً، فنبين لهم، وندعوهم إلى الله، ونبين لهم التوحيد، ونتلو عليهم النصوص من القرآن والسنة، ونحارب تلك الشعوذات في البلاد التي نذهب إليها.
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك.
اللهم بين لنا دينك وفقهنا فيه.
اللهم واجعلنا على ملة التوحيد، عليها نحيا وعليها نموت، وعليها نبعث إن شاء الله.
اللهم وهيئ لنا من أمرنا رشداً، وأصلح لنا بيوتنا وذرياتنا ونساءنا وأزواجنا.
اللهم واجعلنا من التائبين لك، الأوابين إليك، المنيبين إليك، واجعل لنا بلاغاً إلى خير.
اللهم وفقنا لما يرضيك، وكن معنا يا رب العالمين.
اللهم وفق أبناءنا في اختباراتهم، وكن معهم، واجعل عملهم في رضاك.
اللهم واجعل خروجنا من الدنيا على شهادة التوحيد.
وصلّ يا رب وسلِّم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
أيها الإخوة: صلوا عليه في هذا اليوم العظيم، الذي تضاعف فيه أجر الصلاة على رسولكم عليه الصلاة والسلام.