بعض الناس يأتي ويقول: يا أخي! إن الكاهن أو الرجل الفلاني لَمَّا ذهبتُ إليه قال: سيحدث لك غداً كذا، أو بعد أسبوع كذا، أو بعد شهرٍ كذا، وقد حدث لي فعلاً بالتفاصيل التي ذكرها! فكيف تقول: إنه دجال ومشعوذ؟! لقد رأيتُ بعينِي ما أخبرني به! فماذا نقول للناس عند ذلك، وهذه الحكاية منتشرة بين الناس:- نقول: إن الكلام الذي أخبروا به إما أن يكون خبراً عاماً من الممكن أن يحصل جداً لأي إنسان، كما سبق أن بينا ذلك في موضوع التنجيم وأبراج الحظ، فتراهم يكتبون: - مكافأة مالية ستصلك، وكل الناس ممكن أن تصله مكافئات مالية، فإذا حدثت قال: صدق الكاهن، وأي صدقٍ في ذلك؟! - ترى غائباً قادماً من سفرٍ بعيد -من الممكن جداً أن ترى غائباً قادماً من سفرٍ بعيد- فنبين لهم هذه الخديعة، وإن كانوا قد أَخبروا بأشياء لا تحدث في العادة، فقال لك مثلاً: إنك ستذهب إلى الصين، وتقابل كذا وكذا، وحدث لك أن ذهبت فعلاً، فنقول للناس عند ذلك: الأحاديث قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الشياطين يركب بعضهم فوق بعض إلى السماء، فيسمع الخبر الذي تتناقله الملائكة -يوحي الله عز وجل للملائكة افعلوا كذا، ولفلان كذا وأنزلوا كذا- فيسمع بعض الشياطين الخبر فينقلونه إلى شياطين الإنس، فيكذبون معه تسعة وتسعين كذبة، ثم يخبرون الناس) والمشكلة عند الناس أنهم لا يتذكرون من كلام الكاهن إلا التي صدق فيها، يكون الكاهن قد أخبر مائة خبر، صدق مرة وكذب تسعاً وتسعين كذبة فالناس لا يتذكرون ولا يعْلَق في أذهانهم إلا الخبر الصادق، فيقولون: فلان صدق! عجباً! لقد أخبر بما تحقق فعلاً! إذاً: هو يعلم ما في الغيب، وينسون تلك الكذبات.
فنقول لهم: هذا بسبب استراق السمع من الشياطين الذين يخبرون أولياءهم من شياطين الإنس، فيخبرونكم أنتم به فتضلون.
كذلك أيها الإخوة: يأتي بعضهم فيقول: لقد ذهبنا إلى الكاهن أو العراف الفلاني، وقبل أن نسأله عن أي شيء إذا به بمجرد ما أخبرناه عن اسم الآتي إذا به يخبرنا عن اسم أبي وأمي، وأسماء أخوالي وأعمامي، وأين كانوا يعملون، وكيف انتقل أحدهم من بلدٍ إلى آخر؟ وماذا جاء لفلان من الأولاد؟ فكيف عرف الكاهن هذا؟! وهذا الكاهن من بلد بعيد ذهبت إليه؟! فنقول له: يا أخي! اعلم أن الجن قال الله عنهم: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:27] هم يروننا من حيث لا نراهم، ويرون أحوالنا، ويسمعوا كلامنا، فينقله هذا الشيطان إلى ذلك الكاهن الذي تأتيه، يقول له: إن فلاناً له من الأخوال والأعمام كذا، وأبوه كان لونه كذا، وعمله كذا، وتوفي في اليوم الفلاني بالمرض الفلاني يخبرك الكاهن فتصدقه.
ولو أنك علمت أن الله يقول: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:27] وعلمت بأن مع كل إنسانٍ شيطان، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد ومسلم عن ابن مسعود: (ما منكم من أحدٍ إلا وقد وُكِّل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة) فكل واحد منا -الآن- معه قرينٌ من الجن وقرينٌ من الملائكة، فهذا الملك يحثه على عمل الخير، وذاك الشيطان يحثه على عمل الشر فهذا الشيطان الملازم للإنسان يعرف أحوال الإنسان ويراها، ولذلك شرعت لنا التسمية وقراءة المعوذات لنستعيذ من شره.
فهذا القرين الملازم لك يعرف أحوالك، فيخبر الكاهن الذي ذهبت إليه بأحوالك الشخصية حتى لو أغلقت الغرفة على نفسك وفعلت أشياء، فيقول لك الكاهن: لقد أغلقت عليك الغرفة في اليوم الفلاني، وفعلت كذا.
من الذي أخبر الكاهن؟! إنه الشيطان الملازم لك، فقد وصل الخبر إلى الكاهن عن طريقه.
ونحن لو عرفنا هذه الأحاديث لم نستغرب مطلقاً من تلك الأخبار والتفصيلات الدقيقة التي يخبر بها بعض المشعوذين.
وكذلك تلك القصة التي حدثت مع بعض الصالحين، لما دخل على بعض الأمراء وعنده عراف يقول للناس: خذوا ما شئتم من الحصى في أيديكم فإني أعرف كم عددها! فيأخذ الناس الحصى ويخبئونها عن ذلك الرجل فيعُدُّونها، ثم يقول ذلك العراف: في يدك كذا من الحصى ويكون كلامه صحيحاً، فلما جاء ذلك الرجل الصالح قال: أتحداه أن يعرف ما في يدي، فأخذ قبضة من الحصى، فلم يعدها وقال: للعراف: كم في يدي من الحصى؟ قال: كذا، فعَدَّها، فاذا هي بخلاف ما قال العراف، فقالوا له: كيف فعلت؟! قال: أنتم عددتم الحصى لَمَّا قبضتموها، فعدَّ معكم القرين، فأخبر العراف، وأنا لم أعدها، فلم يعد معي القرين، فلم يستطع أن يعرف.
إذاً: أيها الإخوة! لا ننخدع بهذه الألاعيب والأشياء التي نسمعها.
وفقنا الله وإياكم لأن نعيش ونحيا على التوحيد، وأن نموت على التوحيد، وأن يكون آخر كلامنا من الدنيا شهادة التوحيد، وصلى الله على نبينا محمد، وأستغفر الله لي ولكم.