أما في عمل الصحابة رضوان الله عليهم فالشواهد كثيرة وكثيرة جداً، فمن ذلك أن الصحابة قتلوا الجماعة بالواحد، اجتمع جماعة على واحد فقتلوه، لئلا يكون ذريعة إلا ضياع دماء المسلمين، كلما أرادوا قتل واحد جاءت جماعة فقتلوه وضاع دمه، فالصحابة قضوا بقتل الجماعة بالواحد.
وكذلك نفى عمر من كان سبباً في فتنة النساء بجماله؛ سَمع عمر أن فلاناً يذكر على أنه أجمل أهل المدينة فقال: عليَّ به.
أتى به فحلق رأسه لعل الفتنة تزول، فازداد الرجل حسناً لما زال شعره وظهرت جبهته كاملة، فقيل إنه عممه بعمامة فلا زال جميلاً! فقرر عمر أن يبعده إلى بلدة أخرى حتى لا يكون سبباً لفتنة المسلمات في هذا البلد، وزوجه وأحسن إليه، لأنه رجل ليس بمذنب، فليس ذنبه أن يكون جميل الخلقة فإن الله قد كتب أن يكون جميلاً، لكن سداً لذريعة فتنة النساء مادام أن خبره واسمه وذكره منتشر بين النساء ومتداول أبعده عمر.
قطع عمر رضي الله عنه شجرة بيعة الرضوان التي تبايع الصحابة عندها في غزوة الحديبية لأجل ألا يكون اجتماع الناس عليها ذريعة إلى الشرك.
ولما وجد الصحابة قبر دانيال عليه السلام -هذا أحد الأنبياء- في الفتوحات، وجدوه عند قوم كان يستسقون به، يخرجون جسده وقت القحط، وأجساد الأنبياء لا تأكلها الأرض، قالوا: مات منذ مئات السنين لكن ما تغير جسمه.
قالوا: فحفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبراً متفرقة، فلما كان بالليل دفنوه في واحد منها وسووا القبور كلها لتعميته على الناس حتى لا ينبشوه، كل هذا من حرص الصحابة على سد ذرائع الشرك وتعظيم الموتى.
لماذا عزل عمر خالداً رضي الله عنهما؟ أخبر عمر أنه ما عزله عن سخط ولا عن كره ولا عن خيانة، لكن قال: ولكن الناس فُتنوا به فِخفت أن يوكلوا إليه -بدلاً أن يتوكلوا على الله يقولون: مادام أن الجيش فيه خالد فنحن منصورون- فتنوا به فخفت أن يوكلوا إليه ويبتلوا به فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع، هو الذي يصنع النصر وهو الذي يقدر النصر سبحانه وتعالى.
من يخبرني لماذا أمر عمر ببناء الكوفة والبصرة؟ خاف عمر على المسلمين إذا سكنوا في بلاد الفرس والروم أن يختلطوا ويتأثروا بعاداتهم وأخلاقهم، وقد يؤدي إلى الوقوع في شيء من المحرمات، أراد عمر أن يجعل بلداناً خاصة للمسلمين، يكون المسجد في الوسط وحوله المساكن، ويجعل له قاضياً وإماماً، فـ عمر خشي من اختلاط المسلمين إذا سكنوا في بلدان الكفرة أن يتفرق المسلمون فيها ويتأثرون بهم، فمصَّر للمسلمين أمصاراً خاصة.
هذه بعض من أفعال الصحابة في مسألة سد الذرائع، ولا زال العلماء يفتون بقاعدة سد الذرائع، وهذا مشهور في المذاهب ومن أعظمها مذهب الإمام مالك رحمه الله فإن المالكية يعتمدون كثيراً على هذا الباب، لكن ينبغي أن يعلم أنه لا بد أن تكون الذريعة واضحة للتحريم والمنع، لا متوهمة ولا قليلة.