أما في العلاقات الأخوية فإن سد الذرائع قاعدة موجودة واضحة في النصوص، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع الرجل على بيع أخيه، إذا كان الواحد يساوم البائع فلا يجوز لإنسان أن يدخل بينه وبين البائع حتى تستقر الأمور على شيء، إما أن تصل إلى طريق مسدود أو يتفقا، لا يجوز إذاً أن تدخل في المساومة -طبعاً هذا غير بيع المزايدة، بيع الحراج هذا أمر آخر، هذا جائز في الشريعة- لكن شخص يتفاوض مع البائع في الدكان على سلعة لا يجوز لآخر أن يدخل بينه وبين البائع، إذا كان اتفق وإياه على السعر ولم يبق إلا العقد والاستلام والتسليم فلا يجوز أن يدخل بينه وبين البائع، إذا تم العقد وهما في خيار المجلس -يعني: في الدكان ما غادراه- يحق لكل منهما الرجوع ولا يجوز أن يأتي بائع آخر يقول من بعيد: تعال، أنا أعطيك بأقل، افسخ البيع وتعال.
أو إذا كانا في خيار الشرط، كأن يقول: أشتريتها منك فإن لم تناسبني أرجعتها إليك بعد يوم، فلا يجوز أن يأتي شخص آخر يقول: بكم اشتريتها؟ ردها إليه، وأنا أعطيك بأقل، كما أنه لا يجوز لمشتر آخر أن يأتي إلى البائع ويقول: افسخ البيع مع المشتري وأنا أشتريها منك بأكثر.
وإنما نهي المسلم عن البيع على بيع أخيه والسوم على سوم أخيه سداً لذريعة البغضاء والشحناء بين المسلمين.
لا يخطب على خطبة أخيه، لو علمت أن فلاناً من إخوانك المسلمين تقدم لخطبة فتاة، فلا يجوز لك أن تتقدم إليهم تخطب البنت وأنت تعلم أن فلاناً قد تقدم، حتى يردوه أو أنهم يصرفوه ولو بالسكوت بمعنى: أنهم لم يركنوا إليه، فإذا ركنوا إليه لا يجوز أن تدخل بينه وبينهم، إذا لم يركنوا إليه فهم مترددون أو ردوه ورفضوه فيجوز لك أن تتقدم أو استأذنت منه فهذا جائز، قلت: يا أخي! ائذن لي أن أخطب هذه، أنت ستجد غيرها، أنت إنسان معروف وأنا غير معروف وما عندي إلا هذه الفتاة التي أتوقع أن يوافقوا لي عليها، فهل تأذن لي أن أتقدم وأخطبها؟ فإن أذن جاز لك، وإن لم يأذن لا يجوز سداً لذريعة الشحناء والبغضاء.
النهي عن تناجي اثنين دون الثالث، لأن ذلك يحزنه، هذه فيها ذريعة إلى البغضاء بين المسلمين، النهي عن الجلوس بين اثنين إلا بإذنهما.
كل ذريعة تؤدي إلى قطع الرحم فهي حرام، وقد منعت الشريعة نكاح المرأة على عمتها والمرأة على خالتها؛ لأن ذلك يؤدي إلى قطع الرحم، لأن كلاً منهما ستغار من الأخرى، هذه عمتها وهذه خالتها وستغار منها، وستكون القطيعة، فلا يجوز الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها.
أما في المعاملات والبيوع مثلاً، هذا ذكرنا طرفاً منه فيما يتعلق بآداب الأخوة، وأيضاً الشريعة تسد كل ذريعة إلى الربا، وكل طريق يوصل إليه، ولذلك لا يجوز بيع العينة: وهي أن تبيع سلعة إلى أجل -إلى سنة- بعشرة آلاف ثم تقول: تبعنيها نقداً بثمانية آلاف هذا حرام، لا يجوز لأنه ذريعة إلى الربا.
كذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سلف وبيع، مع أن الشريعة تجيز السلف لوحده وتجيز البيع لوحده، لاحظ معي الشريعة تجيز السلف لوحده وتجيز البيع لوحده، لكن حرمت السلف والبيع في آن واحد، لأنه إذا اجتمع سلف وبيع كان ذلك طريقة إلى القرض الذي يجر نفعاً، فإذا قال: أقرضك عشرة آلاف على أن تبيعني ساعتك بكذا.
فلا يجوز، لكن القرض لوحده جائز والبيع لوحده جائز، هذا من الشواهد في السنة.