عباد الله: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد طبق في السيرة العملية هذا الأمر، فقام يعاون ويتعاون في بناء المسجد: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ} [التوبة:17] {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة:18] فقام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالتعاون على بناء المسجد، كما قاموا بالتعاون على إقامة الجهاد وحفر الخندق؛ إنفاذاً لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2].
وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالمعاونة على المستوى الفردي، كما قام هو وأصحابه بالتعاون على المستوى الجماعي؛ فقال صلى الله عليه وسلم: (كل سُلامَى عليه صدقة، كل يوم يعين الرجل في دابته يحامله عليها أو يرفع عليها متاعه صدقة) وقال البراء: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعٍ ومنها: وعون المظلوم) رواهما البخاري رحمه الله.
وكذلك قال عليه الصلاة والسلام: (على كل مسلمٍ صدقة، فقالوا: يا نبي الله! فمن لم يجد؟ قال: يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف) فهذه الإعانة صدقة عظيمة لمن لم يستطع أن يستقل بعملٍ بنفسه، فيعين غيره فيكون شريكاً في الأجر.
وأمرنا عليه الصلاة والسلام بإعانة العبيد فيما كلفناهم به، فقال: (إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم) رواه البخاري.
والإعانة إذا كانت في أمرٍ نفيسٍ وشيءٍ عظيمٍ ذي مرتبةٍ في الدين، فإن المعاون فيها له أجر عظيم.
قال الإمام مسلم رحمه الله: باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوبٍ وغيره وخلافته في أهله بخير.
وقال البخاري رحمه الله: قال مجاهد: [قلت لـ ابن عمر: الغزو، قال: إني أحب أن أعينك بطائفة من مالي، قلت: أوسع الله علي، قال: إن غناك لك، وإني أحب أن يكون من مالي في هذا الوجه] أي: لا تحرمني من المعاونة والأجر.
وعلى المستوى الاجتماعي بين الرجل والمرأة كلٌ منهما يعين الآخر في البيت، قال البخاري في صحيحه: باب عون المرأة زوجها في ولده، وأخذ ذلك من حديث جابر رضي الله عنه أنه تزوج ثيباً لتعينه على القيام بأخواته، وهذا من شيمة المرأة الصالحة أنها تعين زوجها حتى فيما لا يجب عليها، كخدمة أهله وأخواته، هي مكلفةٌ ببيتها، ولكن إذا تعدت الإعانة إلى أهل زوجها وأخواته فإن ذلك من جميل العشرة، ولها فيه أجرٌ عظيم.
هذه نماذج من الإعانات على سائر المستويات، وهكذا يفهم قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2].