تلقي العلم وتفعيل الطاقات

وفي هذا الحديث كذلك أهمية تلقي العلم، وأن الإنسان لا يحتقر المعلومات التي تأتيه من مسافرين؛ فربما يكون فيها خير عظيم، كما كان من شأن هذا الصبي الغلام رضي الله عنه ورحمه، فإنه بسبب قعوده إلى المسافرين في الطريق جمع هذا القرآن.

وكذلك في هذا الحديث أن بعض الطاقات والمواهب في القبيلة أو في المجتمع أو في البلد أو في المدرسة لا تبرز إلا بأحداث؛ فلقد كان هذا الغلام مغموراً، فهو حافظ لكن أحداً لم ينتبه إلى أنه حافظ، يسمع من ناس مسافرين ويحفظ، ما انتبهوا لمكانته، متى انكشفت مكانته؟ لما ذهب أبوه للقاء النبي عليه الصلاة والسلام، وعلمه ألا يؤم إلا الأقرأ الأحفظ، فمسحوا الناس في القبيلة، فوجدوا أن هذا هو الأحفظ فقدموه.

وقد يُوجد هناك طاقات مختفية، أو طاقات غير ظاهرة في المجتمع، فينبغي استكشافها لأن لها شأناً، أصحاب الطاقات هؤلاء من الصغر يظهرون، وأهمية اكتشافها تكمن في أن الطاقات ينبغي أن تأخذ حظها من العناية والرعاية منذ البداية، حتى تكبر ويكون لها شأن في المستقبل، والحمد لله أن هذا الدين فيه من المناسبات التي تُظهر الطاقات، مثل قضية حفظ القرآن والإمامة، ولذلك تجد الآن بسبب الحديث عدداً من الأطفال أو من الصغار يبرزون في المجتمع.

فصار -بحمد الله- هناك مجالٌ لظهور الطاقات التي تحفظ وتفهم بحيث تتلقف وتُشمل بالرعاية التي تهيئ خروج هذه الطاقة، وهذه الشخصية في المستقبل لتكون شخصية كبيرة، والغربيون انتبهوا حديثاً لقضية استكشاف الطاقات وجعلوا للمتفوقين والنوابغ فصولاً خاصة ومناهج خاصة.

أما في الإسلام فإن طبيعة الدين وطبيعة أحكامه تبرز الطاقات، وتبرز المتفوقين، مثل مسألة إمامة الأحفظ؛ فإمامة الأحفظ من وسائل اكتشاف الطاقات والشخصيات الماهرة من الصغر، وجعله الإسلام في موقع تسلط عليه الأضواء، فهو إمام للناس أي: ينتبهون إليه، والذي يتمعن لمسألة مثل هذه المسائل فعلاً يكتشف جوانب عَظَمَة في هذا الدين لم يكن قد انتبه إليها من قبل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015