يقول رضي الله عنه: كنا في سفر -إما خيبر أو الحديبية - مع النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر قصة أنهم سروا بالليل، ثم وقعوا نياماً، وأن الوقعة كانت في آخر الليل، ولذلك قال الرواي: ولا وقعة أحلى عند المسافر منها، وقد جاء في البخاري من حديث أبي قتادة ذكر سبب نزولهم في آخر الليل، وهي أن بعض القوم سألوا ذلك، وقد قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (أخافُ أن تناموا عن الصلاة) فقال بلال: أنا أوقظهم.
تكفل بلال بإيقاظهم، فهذه إذاً تتمة القصة: أن بعض القوم تعبوا في الطريق، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزلوا، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (أخشى عليكم أن تناموا عن صلاة الفجر) ولم يرض بالنوم حتى تكفل بلال بإيقاظهم، وهذا قد جاء في حديث أبي قتادة، ولفظه: (سرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلةً، فقال بعض القوم: لو عرست بنا يا رسول الله -أي: لو نزلنا آخر الليل نستريح- قال: أخاف أن تناموا عن الصلاة، فيخرج وقت صلاة الفجر ولم نستيقظ، فقال بلال متبرعاً، وهو مؤذن القوم: أنا أوقظكم) ظناً منه أنه سيكون على حسب المعتاد، فإن من عادته الاستيقاظ لأجل الأذان، وكان بلال متعوداً على الاستيقاظ قبل الأذان، فاضطجعوا وأسند بلال ظهره إلى راحلته، فغلبته عيناه فنام، ألقى الله عليه النوم لحكمة بالغة؛ لتتبين أحكام في قضاء الصلاة، وماذا يفعل إذا استيقظ بعد طلوع الشمس (فغلبته عيناه فنام، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس، فقال: يا بلال! أين ما قلت؟؟) أين الوفاء بقولك: أنا أوقظكم وهذا فيه لفتةٌ تربويةٌ بالغة من النبي صلى الله عليه وسلم، ينبه بلالاً فيها على اجتناب الثقة بالنفس وحسن الظن بها أين الوفاء بالذي وعدت أنك توقظنا للصلاة؟ أنت وعدتنا ولم تفِ، كأنه يقول: أنت وثقت بنفسك أكثر مما ينبغي، لأن المظنة أنك لن تقوم، ما دمت مسافراً ومتعباً ونزلت في آخر الليل؛ فكان ينبغي أن تراعي أنك ربما لن تقوم لأجل هذه العوامل.
وفيه بيان فائدة عظيمة وهي: أن الإنسان لا يصلح أن يثق بنفسه، ومن العبارات الشائعة عند بعض الناس: تجب الثقة بالنفس، وهذه العبارة غلط، ولذلك يقول الشيخ محمد بن إبراهيم في فتاويه، وقد سئل عن قولهم: تجب الثقة بالنفس؟ فقال: لا تجب، بل لا تجوز الثقة بالنفس، وإنما الثقة بالله عز وجل، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله أن يكله إلى نفسه طرفة عين؛ لأن الإنسان إذا توكل على نفسه ضاع، لكن إذا توكل على الله استقام أمره، ولذلك بعض الأحيان تجد الشخص يقول: أنا مستعد أفعل كذا، وأنا مستعد أنجز كذا، وأنا مستعد أتكفل بهذا الأمر، وأنا واثق من نفسي، فتراه في كثيرٍ من الأحيان يخذل، يخذله الله بسبب اتكاله على نفسه وثقته بها، أو نسيان الله وعدم الثقة به، نسي أن يتوكل على الله أو أن يفوض الأمر إليه، وإنما اعتمد على نفسه واتكل عليها، فوكل إليها؛ فضاع، ولذلك نبه عليه الصلاة والسلام إلى هذه المسألة: ألا يتكل الإنسان على نفسه، وأن الشخص إذا كانت العوامل لا تساعده على النتيجة المطلوبة فلا يتبرع بشيءٍ يغلب على الظن أنه لا ينجزه أو لا يفعله، وإنما يقدر الموقف.