Q قبل الختام نطلب من فضيلة الشيخ أن يوجهنا بنصيحة، ونحن نستقبل بعد أيامٍ إن شاء الله تعالى عشر ذي الحجة، وهي كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل الأيام التي يحب الله فيها العمل الصالح من عباده، كما أطلب منه كما هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يخص بها أخواتنا النساء في معاشرتهن ومسلكهن ودعوتهن ولباسهن فجزاه الله عنا خير الجزاء ولو أثقلنا عليه؟
صلى الله عليه وسلم أيها الأحبة في الله: إن الله تعالى من واسع رحمته بهذه الأمة اختار لها أزمنة محدودة، ومواسم معدودة يتسابقون فيها للطاعات، ويشمرون فيها عن ساعد الجد في المرضاة؛ ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، فينبغي على الإنسان أن يهيئ نفسه لهذه المواسم.
وإذا أراد الإنسان أن يوفق في موسم الطاعة فليستقبله أول ما يستقبله بالتوبة، فيكثر من الاستغفار؛ لأنه غالباً يحال بين الإنسان وبين التوبة بسبب الذنوب، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في الحديث الصحيح: (ونعوذ بالله من شرور أنفسنا) فإن الذنب قد يحال بسببه بين العبد وبين الخشوع، وقد يحال بسببه بين العبد وبين منزلته في الجنة، فإياك ثم إياك أن تفتر عن ذكر الله بالاستغفار، والله تعالى يقول: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} [فصلت:6] فأكثر من الاستغفار والتوبة إلى الله عز وجل عما سلف وكان.
ثانياً: عليك أن تحس بقصر الأجل وقصر العمر، فهي من أعظم الأمور التي تعين على مواسم الخير، والإنسان ما بينه وبين الآخرة إلا قبض روحه، والموت يأتي الصغير فلا ينظر إلى صغره، ويأتي الكبير فلا ينظر إلى كبره، وكم من ممسٍ كتب عليه ألا يصبح، وكم من مصبح كتب عليه ألا يمسي، والله أعلم، فكم من إنسان يضحك وإذا به في طرفة عين قد صار في عداد أهل الآخرة، قال بعض السلف: كم من إنسان يضحك بملء فيه وقد نسجت أكفانه من حيث لا يدري.
فالإنسان إذا استقبل مواسم الخير وهو قاصر الأمل، يقول: لا أدري هل أعيش إلى الغد أو لا أعيش.
الأمر الثالث مما يعين على اغتنام مواسم الخير: دعاء الله، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح يومه فيسأله التوفيق للطاعة والبر، وكان يسأل الله خير يومه أوله وآخره وفتحه ونصره ونوره وبركته وهداه، والله إذا رآك تقف في بابه تسأله من رحمته وهو الكريم سبحانه لا يرد من سأله، فقد تكفل الله لك أن يعطيك سؤلك أو يرفع عنك من السوء مثلما سألت، أو يدخرها لك بالآخرة في منزلة قد لا تبلغها بكثرة صلاةٍ ولا صيام.
يقف الإنسان بين يدي الله ويقول: اللهم إني أسألك التوفيق في الخير، وكلما دخلت في موسم خير وبر تسأل الله أن يجعلك أسعد العباد، تقول: يا رب لا تجعلني بذنبي شقياً ولا محروماً، ولا تحل بيني وبين المسابقة في هذا الخير بما كان مني، فإن كنت أنا المقصر وأنا المذنب فأنت الكريم الجواد، فتستشعر بأنك أحوج ما تكون إلى رحمة الله بالدعاء.
ثم تصور أخي في الله مما يلهب مشاعرك، ودعاء الله وسؤالك أن تخشى أن تكون أشقى الناس فتقول: يا رب لا تجعلني شقياً، امنن عليَّ بالتوفيق والتسديد والتأييد، ونحو ذلك من مسائل الخير المباركة.
الأمر الرابع: الاهتداء بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في المواسم، فأولى الناس بالرحمة والهدى والبر هو الحريص على التأسي بالكتاب والسنة، ولن تستطيع أن تنال الجنة ولا رحمة الله ولا محبته إلا من هذا السبيل الوحيد الفريد، صراط الذين أنعم الله عليهم، والذي اختاره الله لنبيه وختم به وأقفل جميع الأبواب، ولم يبق إلا باباً واحداً لا يدخله إلا من اتبع سنته وسار على نهجه وطريقته.
وتحرص في كل موسم أن تسأل العلماء: ما هو هديه صلى الله عليه وسلم في القول والفعل؟! فإذا علمت هديه التزمت هذا الهدي فلم تزد عليه ولم تنقص منه، فإذا فعلت ذلك هديت، قال تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف:158] {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31] فمن أراد أن يحبه الله فليتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يكون من هديه.
وقد ندبنا صلى الله عليه وسلم إلى الاستكثار من الاستغفار في هذه العشر، فتستكثر من الخير في الأقوال والأفعال، فتبدأ أول ما تبدأ بعقيدتك، وهناك أعمال للقلوب من حب الله والخشوع والخضوع والبكاء من خشية الله، ونحو ذلك.
ومن أفضل الأعمال وأحبها إلى الله، ما كان بين العبد وربه مما يزيد بتوحيد الإنسان وإيمانه بالله سبحانه وتعالى، فهذه الأمور من أعظم الأمور وأحبها إلى الله، ولذلك ذكر غير واحد من العلماء وأشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية: أن أعمال القلوب تفضل كثيراً على أعمال الجوارح، وذلك لما فيه من توحيد الله وإخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى، والله تعالى ابتلى عباده بالإخلاص والتوحيد، وكلما كان القلب مستشعراً لمثل هذه المعالم من محبة الله والخوف والخشية كلما عظم الثواب عند الله عز وجل.
فعندما تدخل المواسم عليك حاول قدر استطاعتك أن تكون أكمل الناس خوفاً من الله.
وقف بعض السلف في يوم عرفه فقال: والله لو نادى منادي الله: قد غفرت لأهل الموقف إلا واحداً لعددت نفسي ذلك الرجل، فالإنسان لما تدخل عليه مواسم الخيرات ويحس أنه حقير، وأنه مقصر، وأن الله عز وجل له هيبته وله جلاله جل جلاله، وأنه ينبغي أن يهاب ويخشى، فمثل هذه الأمور من أحب الأعمال إلى الله وأعظمها ثواباً عند الله.
الأمر الآخر: الأعمال الصالحة من الأقوال والأفعال، يحرص الإنسان عليها، فيبدأ كما ذكرنا بالوالدين والأقربين، ثم بضعفة المسلمين ليحسن إليهم ويتفقدهم ويقضي حوائجهم، ويحتسب الثواب عند الله سبحانه وتعالى، ثم يجتهد في الطاعات من ذكر الله، وكثرة تلاوة القرآن، فكل ذلك مما يحبه الله ويرضاه.
وأما نصيحتي لأخواتي المسلمات: فأوصيهن ونفسي بتقوى الله الذي يعلم السر والعلانية.
أخواتي المسلمات: إن الله أدبكن فأحسن تأديبكن بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأثنى على الصالحات في كتابه فقال: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء:34].
أختي المسلمة: سعادتك في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد تكفل الله لمن اتبع كتابه بما يسعده فلا يشقى أبداً، وتكفل لمن اتبع كتابه بالنور والرحمة والشفاء والهدى والسداد في الدنيا والآخرة.
يا أَمَة الله: اسمعي لكلام الله فإن سمعتِه يناديكِ فبادري بالاستجابة وبادري بالتطبيق والعمل.
يا أَمَة الله: أحب الأعمال إلى الله إخلاص العبادة، فاحرصي على الإخلاص، وإياك والرياء والسمعة وطلب ثناء الناس، فما عند الناس يذهب ويبلى، وما عند الله يدوم ويبقى، وما كان لله قرت به العين بين يدي الله في يومٍ يبعثر فيه من في القبور، ويحصل فيه ما في الصدور، إن ربهم بهم يومئذٍ لخبير يوم تبلى السرائر.
يا أَمَة الله: إن الله فرض عليكِ حقوقاً لوالديك فقومي بها على الوجه الذي يرضي الله من البر والإحسان، فرض الله عليكِ حقوقاً لبعلكِ فأحسني المعاشرة له بالمعروف مستجيبةً لأمر الله، فإن أقر الله عينك بالزوج الصالح الذي يفي لكِ كما وفيت فاحمدي الله على فضله، واسأليه الثبات على طاعته، وإن رأيت غير ذلك من إساءة في العشرة أو إساءة في القول والعمل فاعلمي أن الله لا يضيع لكِ الثواب، وأنكِ تحتسبي عند الله الأجر والمآب، فلا تضعفي ولا تجبني ولا تسيئي إلى العشير.
أدي الأمانة إلى من ائتمنكِ ولا تخوني من خانكِ، فإن رأيتِ البعل يكرمكِ فأكرميه، وإن رأيته يهينك فإن الله لا يهينك، واعلمي أن الصبر على البعل في أذيته وإهانته وإذلاله لك فيه ثواب ومرضاة، فاحتسبي عند الله أجرها، والله تعالى مطلعٌ على ما يكون فاحتسبي الأجر عند الله، وكما إنكِ ترجين الثواب في ركوعكِ وسجودكِ فإن صبركِ على البعل فيه ثوابٌ لكِ.
يا أَمَةَ الله: إن الله فرض عليكِ حقوقاً لأبنائكِ وبناتكِ فاتقي الله في الأبناء والبنات، وأحسني تربيتهن والقيام على حقوقهن في الطعام والشراب والكسوة، وربيهن على طاعة الله ومرضاته، فكم من أمٍ صالحة هدت ودلت كتب الله لها ثواب ما هدت ودلت، وكم من عالم ثوابه في ميزان حسنات أمه، قالت أم سفيان الثوري وهو يتيم: يا بني اطلب العلم أكفك بمغزلي، رحمها الله برحمته الواسعة، كانت تشتغل بمغزلها وتطعم ابنها وهو يتيم حتى أصبح إماماً من أئمة المسلمين، وديواناً من دواوين العلماء العاملين، وكل ذلك في ميزان هذه المرأة الصالحة.
يا أمة الله: إياك والنعرات والدعوات إلى السيئات والشهوات؛ فإن أهل الشهوة يريدون منكِ أن تميلي ميلاً عظيماً، يريد الله لكِ الطهر والعفاف، والخير والكفاف، فكوني لله يكن الله لكِ، اعلمي أن سعادتك في هذا الدين، فمهما رأيتِ من المهانة والمذلة فاعلمي أنها عزة وكرامة، وأن التمسك بالدين والاعتصام بحبل الله المتين قرة عينٍ لكِ في الدنيا والدين.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يهدينا سواء السبيل، وأن يقيم لنا المعلم والدليل إنه المرجو الجليل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين.