Q أنا طالب علم وعندي رغبة في تحصيل العلوم النافعة، لكن في بعض الأحيان أتذكر ذنوباً ماضية، فأندم عليها أشد الندم، وأقول في نفسي: أنا لا أصلح أن أكون داعية، فضلاً عن أن أكون من العلماء، فيدخلني اليأس وتراودني نفسي على ترك الطلب، فما توجيهك لي حفظك الله؟
صلى الله عليه وسلم والله كلنا ذاك الرجل، إذا ذكرنا ما سلف من التقاعس في طاعة الله والتفريط في جنب الله، أشفق الإنسان على نفسه، حتى إنه يخشى أن يكون مستدرجاً من حيث لا يحتسب، وهذا الذي سألت عنه شيء من الإشفاق والخوف والوجل، فإن العبد الصالح دائماً يبكي على ما مضى، ويخشى مما سلف وكان.
يحق لي يا عين أن بكيت أبكي لعلمي بالذي أتيت أنا المسيء المذنب الخطاء في توبتي عن حوبتي إبطاء من منا لم يذنب؟ ومن منا لم يسئ؟ إذا كان هذا الشعور الذي تشعره من الذنب والإساءة فيما سلف، وكان يحرّك الله به قلبك للإحسان وكمال العمل فهي رحمة من الله أسكنها في قلبك لكي تحتقر نفسك، وإذا احتقرت نفسك رفعك الله، إذا كان أهل العلم وطلاب العلم دائماً يشعرون بأنهم في الدون تواضعوا لعباد الله، وخرجوا للأمة مشاعل خير مليئة بقلوبٍ رحيمة حليمة بعباد الله وأوليائه، فعظم خيرهم وبرهم.
إن كريم الأصل كالغصن كلما ازداد من خيرٍ تواضع وانحنى فيكسر القلوب ما إن يتذكر الإنسان ما كان عليه ويقول: من أنا حتى أعلم الناس وأوجههم؟ فإذا صار هذا الشعور يمنعك من الزيادة في طلب العلم، ويريد منك عدو الله إبليس أن يخذلك عن مجالسة العلماء وطلاب العلم فاعلم أنه مكرٌ من عدو الله، وأنه استدراج منه يريد أن يخذلك، فقل له: اخسأ عدو الله، فإن رحمة الله فيما ضيقت عليَّ، وكم من إنسان أذنب وتاب وتفطر قلبه من الذنب فغفر الله له من أول لحظة، ثم جعل الله أشجانه وأحزانه على الذنب رفعة له في الدنيا والآخرة.
ولذلك يقولون: إن الذنب قد يعود برحمةٍ على الإنسان، وقد ذكر هذا غير واحدٍ من الأئمة، إذا استصعب هذا الذنب، ودائماً يجعله نصب عينيه لا من باب القنوط ولا من باب اليأس، ولكن من باب الاحتقار للنفس والازدراء بها والمحاسبة لها؛ فهذا شيءٌ طيب، أما أن يصبح الإنسان بمثل هذه المشاعر يقصر في الدعوة ويقصر في مجالس العلم، ولا يريد أن يحمل مشعل الخير للناس فلا، ويأبى الله ذلك؛ لأن هذا الشعور مكرٌ من الشيطان، ورحمة الله واسعة وفضل الله عظيم ومن منا لم يذنب.
وانظر إلى ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم، في جاهليتهم ثم غفر الله لهم في طرفة عين، فأسلموا وأسلمت لله قلوبهم وقوالبهم، فأقر الله عيونهم بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وبرفعة الإسلام، وعوضهم الله في الفتوحات والغزوات مشاهد صدقٍ كان لهم فيها حسن البلاء وعظيم الأجر من الله سبحانه.
فإياك ثم إياك أن يخذلك عدو الله، وكن مستصحباً هذا الشعور دائماً في مجالس العلم وتقول: يا رب كنت جاهلاً فعلمتني، وكنت ضالاً فهديتني، وكنت وضيعاً فرفعتني، فمن أنا لولا فضلك ولولا إحسانك؟! ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ، وتظهر ذلك لله، وقد قال بعض السلف: والله ما دخلت مجلساً ورأيت نفسي أصغر الناس إلا خرجت وأنا أعلاهم، ولا دخلت مجلساً وأرى نفسي أعلى القوم إلا خرجت وأنا أدناهم.
وينبغي على طالب العلم دائماً أن يستصحب أنه وضيع إلا أن يرفعه الله، وأن يتواضع للناس، وأن يكون عنده مثل هذا الشعور الذي يحمله على مكارم الأخلاق وحسن المعاملة مع الله، والله تعالى أعلم.