أيها الأحبة في الله: الرحمة في الضعفاء لا يقصد بها ثناء الناس، ولا مدح الناس، فإذا زكاك الله أغناك عن عباده، وإذا زكاك مولاك أغناك عن خلقه، فاجعل أعمالك بينك وبين الله، واجعل صفحات البر والإحسان التي تقدمها للضعفاء والفقراء أكره ما يكون أن يعلم بها أحد، فتكره أن تراها عين أو تسمع بها أذن، وليكن في قلبك الشعور أن أحب ما يكون: أن تعمل هذه الحسنة وتقضي وتسد هذه الخلة، ولا يعلم بك أحد إلا الله جل جلاله، أولئك الذين يرجون رحمة الله.
وإذا كان الإنسان يريد الرحمة على أتم وجوهها وأكملها، فليخلص لوجه الله، فما كان لله فإنه باقٍ إلى لقاء الله، وما كان لغير الله فإنه يزول بزوال الدنيا، ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه يؤتى بالكريم الجواد يوم القيامة، فيقول الله له: عبدي ألم تكن فقيراً فأغنيتك) الله أكبر! ما أعظم مشاهد الآخرة! ما أعظمها من ساعة إذا أوقف الله عبده وحاسبه وسأله وذكَّره نعمته! فقال: (عبدي ألم تكن فقيراً فأغنيتك؟ ألم تكن وضيعاً فرفعتك؟ ألم تكن ألم تكن قال: بلى يا رب، قال: فماذا عملت لي؟ قال: أنفقت لوجهك، وفعلت وفعلت، ولم أترك باب خيرٍ إلا فعلته، فقال الله: كذبت، فقالت الملائكة: كذبت، إنما أنفقت ليقال فلانٌ جواد وقد قيل اذهبوا به إلى النار) نسأل الله السلامة والعافية.
اللهم لا تفضحنا يوم العرض عليك، اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى، وبصفاتك العلى، أن تجعلنا ممن قلت له: صدقت وبررت، وقالت الملائكة: صدقت وبررت (ويؤتى بالعبد الصالح فيعرفه الله نعمته، فيقول الله: ماذا عملت لي؟ فيقول: أنفقت لوجهك، وفعلت لوجهك، فيقول الله: صدقت، وتقول الملائكة: صدقت).
فعلى الإنسان أن يحرص إذا فرج كربات الناس وأسدى للناس، ورحمهم وتولاهم أن تكون حسناته بينه وبين الله جل جلاله، ولا ينتظر من أحدٍ ثناء، ولكن ينتظر ثناء الله عز وجل، عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه (أن الله تعالى ينادي ويقول: يا جبريل إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، وينادي: يا أهل السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيوضع له القبول في الأرض) نسأل الله العظيم أن يجعلنا وإياكم ذلك الرجل، فلا يحبك الله إذا قدمت مثل هذه الحسنات إلا إذا رجوت بها وجهه سبحانه وتعالى {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:110].