Q السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فضيلة الشيخ: هل الحديث: (لا إيثار في الطاعة) صحيح أو ضعيف؟
صلى الله عليه وسلم هذه قاعدة من قواعد أهل العلم: (لا إيثار في الطاعة) وبعضهم يقول: (لا إيثار في القُرْبة) ومعنى هذه القاعدة: أن الإنسان لا يفضل غيره في الدين.
توضيح ذلك: أن الصف الأول -مثلاً- قُرْبة وطاعة، فلا يحق لك أن ترجع عن الصف الأول وتدخل غيرك ولو كان أخاً لك في الله؛ لأنه زُهْدٌ في الأجر، ولا يجوز للمسلم أن يزهد في الأجر.
واختلف العلماء في هذه المسألة: فقال بعض العلماء: يجوز الإيثار في الطاعات، ولهم أصلٌ في ذلك.
ولكن الصحيح والأقوى: أنه (لا إيثار في القُربة) وأن الإنسان ينبغي عليه أن يحرص على القربة، وقد دل على ذلك دليل السنة: فإن ابن عباس كان يوماً من الأيام جالساً عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم، وعن يساره الأشياخ، فأُتِي بشرابٍ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انتهى منه أعطاه للذي عن يمينه وهو ابن عباس وقال قبل أن يعطيه: (يا غلام! أتأذن لي أن أعطيه الأشياخ؟ فقال ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه -النبراس، والقبس الوهاج علماً وحكمة-: ما كنتُ لأوثر بنصيبي منك أحداً -أي: لا أفضِّل في الدين، هذا محل الشاهد- فأخذه فتله بيمينه صلوات الله وسلامه عليه) فهو أقرَّه، واعتبرها قربة؛ لأنه لم يؤثِر بهذا الأمر الذي هو طاعةٌ وقربةٌ لله جل جلاله.
فأصح الأقوال: أنه (لا إيثار في القربة).
والله تعالى أعلم.
ولكن استثنى بعض السلف مسألة، منها: استثناء الإمام أبي عبد الله مالك بن أنس؛ إمام دار الهجرة، في قوله: أحب لأهل المدينة إذا حضر الحجاج أن يتقاصروا عن الروضة.
الحجاج من الآفاق يقدمون وساعاتهم وأيامهم قليلة، فأحَبَّ لهم التقاصر، ففَهِم بعض أصحابه رحمة الله عليه: أن هذا يدل على أنه يجيز الإيثار في القربة؛ ولكنها مسألة خاصة لا تقتضي التعميم.
والله تعالى أعلم.