Q فضيلة الشيخ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا طالب علم وعندي رغبة شديدة في الطلب -ولله الحمد- إلا أنني أجد ميلاً إلى الشهرة وأن يشار إلي بالبنان، ويعلم الله أني أكره هذا الشعور؛ لأنه ينافي الإخلاص، وحاولت دفعه عن نفسي فلم أستطع فهل من نصيحة ينفعني الله بها؟ أعظم الله لكم الأجر.
صلى الله عليه وسلم الشهرة مصيبة، وحب النظر فتنة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من تعلم العلم ليماري به السفهاء أو ليجادل به العلماء -وفي رواية: أو ليصرف وجوه الناس إليه- فليتبوأ مقعده من النار).
فالعلم يراد به وجه الله، ولا يراد به أي شيء سواه، وكان بعض السلف إذا أراد أن يحُدث قيل له: حدثنا، قال: حتى تأتي النية، كانوا يخافون من النيات وحب الشهرة وحب الظهور، وقال سفيان الثوري رحمه الله: [ما عالجت شيئاً أشد علي من نيتي، إنها تتقلب علي] وهو إمام من أئمة السلف في الصلاح والورع.
فحب الظهور، وحب الشهرة، وحب التفاف الناس ونظر الناس فتنة، ويأتي صاحبها يوم القيامة بين يدي الله وقد عمل الصالحات والأعمال الطيبات، (فيقول الله: ماذا أردت بهذا، فيقول: يا رب أردت وجهك، فيقول الله: كذبت، وتقول الملائكة كذبت، إنما تعلمت وليقال فلان عالم وقد قيل، اذهبوا به إلى النار) نسأل الله السلامة والعافية.
وكان أبو هريرة رضي الله عنه إذا حدَّث بهذا الحديث غشي عليه ولربما يغشى عليه ثلاث مرات، يغشى عليه فيفيق، ثم يغشى عليه فيفيق، ثم يغشى عليه فيفيق رضي الله عنه وأرضاه من شدة أمر الإخلاص في العلم.
لذا ينبغي على الإنسان أن يوطن نفسه بالإخلاص قبل العلم، وقد يصاب طالب العلم في بداية طلب العلم بحب الشهرة، ولكن إذا أراد الله به خيراً كسر قلبه في آخر العلم، ولذلك قالوا: أول العلم طفرة وغرور وآخره إنابة إلى الله جل وعلا وخشية.
فالعلم قد يكون في أوله شيء من الزهو، فينبغي على طالب العلم ألا يسترسل مع هذه الآفات؛ لأنه ربما يجد من يزكيه ويثني عليه، فلا تغتر بهذا، تعلق بالله فإنه نعم المولى ونعم النصير، والله! إذا رضي الله عنك، وسخطت عنك الخليقة كلها لم يضرك سخطها، وإذا سخط الله عنك ورضيت عنك الخليقة كلها، لم ينفعك شيء أن تكون راضية عنك، تعلق بالله، فإنه لا ملجأ من الله إلا إليه، والغرور والزهو لا فائدة فيه، تصوَّر لو أن الأنظار رفعت إليك والأسماع أصغت إليك ثم انتهى كل شيء، ما الذي تجنيه من نظر الناس واستماعهم والتفافهم حولك إلا أجرٌ ترجوه لآخرتك، فالإنسان العاقل الحكيم لا يلتفت إلى مثل هذا، فالغرور والشهرة وحب الظهور والعجب بالنفس من آفات القلوب، ولذلك قال مطرف بن عبد الله الشخير وهو من أئمة السلف: [لأن أبيت نائماً وأصبح نادماً أحب إلي من أن أبيت قائماً وأصبح معجباً].
فالإنسان الحكيم العاقل لا يلتفت إلى الدنيا فمتاعها قليل وما عند الله خير وأبقى، إن العمل القليل الذي يراد به وجه الله أعظم لأجرك، والعمل الكثير الذي لا يراد به وجه الله لا خير فيه {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23] فالله الله أن تجعل علمك وتعليمك هباءً منثوراً، الله الله أن تذهب عليك ساعات ليلك وساعات نهارك دون أن تجني بها حسنة عند ربك، نسأل الله العظيم أن يسلمنا من هذه الفتن وأن يعيذنا منها، والله تعالى أعلم.