جزاء الضارعين إلى الله عند البلاء

قال بعض العلماء: ما أصاب الكرب والخطب عبداً فضرع إلى الله تبارك وتعالى إلا أعطاه تفريج الكرب ومع تفريج الكرب زيادة فضلٍ من الله؛ ولذلك تجد بعض الناس يفجع بأهله ويفجع بولده فيعوضه الله حلاوة إيمانٍ تبقى معه إلى لقاء الله عز وجل.

أصيب رجل بولده وكان ذلك الرجل من أفجر خلق الله والعياذ بالله تاركاً للصلاة منتهكاً للحدود والمحارم أقسى ما يكون قلباً والعياذ بالله، فشاء الله يوماً من الأيام بعد صلاة العشاء، جاءه ابنه يضحك ويسلو، وشاء الله تبارك وتعالى أن يودعه ذلك الابن فتكون آخر عهده بذلك الابن، فخرج الابن وما هي إلا لحظات حتى جاءه الخبر بأن ذلك الابن انتقل إلى جوار الله.

وهذه حال الدنيا، تتمتع بالنظر إلى الابن في الصباح فإذا بك تفجع به في المساء، وتتمتع بالنظر إلى الأب في المساء فإذا بك تفجع به مع بزوغ الصباح، وسبحان من هذا ملكه! وسبحان من هذا أمره! فلما فجع بذلك الابن طاش عنه عقله وعزب عنه رشده، فشاء الله تبارك وتعالى أن يقيض له طالب علم موفق، فذكره بالله بالكلمة تلو الكلمة حتى شرح الله صدره، وآنس الله قلبه، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم شاء الله تبارك وتعالى أن يخشع يوماً فيوما، حتى سمعته ذات يوم يقول: والله إني أصبت بابني وإنها نعمة من الله عليَّ إذ ابتلاني بذلك الابن، عرفت الله وكنت له منكرا، واقتربت من الله وكنت منه بعيداً، وآويت إلى الله وكنت منه طريداً، في كلام هذا معناه، مصيبةٌ قربتني من الله تبارك وتعالى.

فالله منه العوض، ما رجاه أحد فخاب، ولا أيقن عبد بربه فخسف الله به الأرض من تحت قدمه أبدا.

ولذلك قال بعض العلماء: "إذا أراد الله أن يجمع للعبد بين المصيبتين.

ابتلاه وسلبه اليقين فيه" والعياذ بالله، إذا ابتلى الله العبد ولم يلتجئ إلى الله بعد البلاء فاعلم أنه والعياذ بالله مستدرج، ولذلك البلاء كل البلاء على الكافر الذي إذا أصابته المصيبة لا يدري أين يذهب، ولا يدري أين يتجه، ولكن المؤمن له باب يقرعه ورب لا يخيب يرجوه.

فلذلك أحبتي! كان من لوازم البلاء اليقين في الله عز وجل! أصيب بعض السلف بمصيبة وعظمت عليه هذه المصيبة وكانت آفةً في جسده، وما زال يعرض نفسه على الناس رجلاً بعد رجل حتى يأس من علاج هذا الداء، وقنط أن يشفى من ذلك البلاء، فدخل يوماً من الأيام فإذا رجل يتلو كتاب الله فسمعه يتلو قول الله عز وجل: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62] فقال: اللهم إني مضطر وأنت مجيب، فما قام من ساعته إلا وهو معافى، إذا دخل اليقين إلى قلب العبد لا يمكن أن يبرح وحاجته في قلبه، بل إن بعض الناس يمسي المساء وحاجته تضايقه، وكربته تؤلمه فيتضرع إلى الله بالدعوة الصادقة حتى يعز على الله أن يصبح وحاجته في قلبه فيفرج عليه قبل أن يصبح؛ وهذا من عظيم لطف الله بالعباد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015