Q كثير من طلبة العلم يقفون عن الدعوة بحجة أنه ليس لهم علم، فيقصِّرون في هذا الجانب، فما رأيكم؟
صلى الله عليه وسلم لاشك أنه لا بد للدعوة من العلم؛ ولكن -يا إخواني- ينبغي أن يُفَرَّق بين قضيتين: الدعوةُ إلى أصولِ الدين، والقواعدِ العامة، أو النهيُ عن المنكرات العامة الواضحة التي لا تحتاج إلى كثيرِ علم.
والدعوة الخاصة.
فالدعوة العامة: مثل الدعوة إلى التوحيد، شخصٌ أمامك يعبد الوثن، لا تقل: أنا لن أدعوه حتى أتعلم؛ لأن هذا أمر يستوي فيه عامة المسلمين وهو الدعوة إلى أصل الدين، ويعتبر فرض عين على كل إنسان رأى إنساناً يعبد غير الله أن يدعوه إلى توحيد الله جل وعلا، ولا يُعْذَر أحد بترك هذا الأصل؛ لأنه أمر من الواضحات، أعني: لا يقول أحد: لا، أنا لن أدعو أحداً كائناً من كان حتى أتسلح بالعلم الكامل! كذلك أيضاً: لو رأيتَ إنساناً على الزنا، أو على شرب الخمر -والعياذ بالله- فإن الزنا وشرب الخمر منكران واضحان لا يحتاجان إلى كثيرِ علم، فالنهي عنهما أو التحذير منهما لا يحتاج إلى كثيرِ علم، فهذان يستوي في الدعوة فيهما العلماء والعامة، ولا يُعذر أحدٌ بتركهما.
الأمر الثاني: وهو الدعوة إلى خصوصيات الأحكام والمصائب التي تنزل بالناس، ويحتاج فيها إلى علم، وبصيرة، ونور، ومعرفة، فهذه للعلماء، ولا يقف أحد أمام الناس يتكلم في مسألة أو حكم شرعي إلا على بيِّنة: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} [الأنعام:57].
{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف:108] لا بد من نور الوحي.
هذا في الدعوة إلى المسائل والأحكام الخاصة.
أما بالنسبة للدعوة العامة، فهذه يستوي فيها كل أحد.
ومن هنا ندرك خطأ بعض الناس، حيث يقولون: كل واحد يدعو، وإذا شئت تقول: تتكلم بما فتح الله عليك أمام الناس، فقد يأتي هذا الجاهل حديث العهد بالجاهلية ويقف أمام طلاب علم، وأناس لهم معرفة؛ لكي يتكلم بما فتح الله عليه، فيخبط خبط عشواء.
هذا من التفريط ومن الإفراط.
فأما التفريط: أن نجد -مثلاً- من يقول: نترك الدعوة حتى يكتمل علم الإنسان؛ فلا يزال الشخص قابعاً على الكتب وعلى العلم، تاركاً المنكرات عن يمينه ويساره، ومن أمامه وخلفه، قرير العين عليها يقول: لا بأس، حتى أنتهي من العلم كاملاً ثم أدعو الناس، لا.
القضية وسطية، فالمسائل التي لا يُعذر أحدٌ بجهلها ومسائل أصول الدين مثل شخص لا يصلي فكل إنسانٍ مطالب بدعوته، شخص -مثلاً- لا يزكي كل إنسانٍ مطالب بدعوته.
هذه أمور واضحة.
أما المسائل الدقيقة فهذه تُعطى لطلاب العلم، وتترك للعلماء، ويُترك القول الفصل فيها لأهل العلم.
والمقصود: أن كون طالب العلم يبقى ويقول: أنا لا أدعو حتى أنتهي من طلب العلم، فهذا تقصير، ويتحمل التَّبِعَة، بل يدعو على قدر علمه، ونحن لا نطالِب أن يدعو بما هو فوق علمه؛ ولكن نطالبه بالدعوة على قدر علمه، فطالب العلم -مثلاً- الذي تعلم هدي النبي صلى الله عليه وسلم في مسائل، حتى ولو كان في أحكام العبادات، فيا أخي! لو قام بعد صلاة العصر كل يوم يتكلم عن هدي من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو طالب علم، أو يتحدث عن صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، هل هذا صعب؟! أو يتحدث عن صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من خلال السنة! ويبين للناس، فما يتعلم أحد سنة منه إلا كان شريكاً له في الأجر، ولا يدل إنساناً على هدي إلا كان لك مثل أجره، ولو أن هذا الإنسان علم أبناءه وبناته وأهله أو جيرانه أو نطق بهذه السنة كان له مثل أجرهم، فهذا فضلٌ عظيم! فلذلك أقول: إن طالب العلم يعلِّم؛ ولكن على قدر علمه.
القضية الثانية: أنه ينبغي أن يصحب هذا العلم شيءٌ من القدوة الحسنة ما أمكن.
والله تعالى أعلم.