Q ما هي الوسيلة المناسبة لدعوة قاطع الرحم, حيث أنه يوجد هناك من هم على نسب، لكنهم متقاطعين لا يتزاورون في الله, بل بلغ الأمر بهم أنهم لا يتحدثون مع بعضهم البعض, وحتى السلام لا يلقيه بعضهم على بعض ولا حول ولا وقوة إلا بالله, وما هو الطريق الصحيح لإصلاح القلوب من الحسد والبغضاء؟
صلى الله عليه وسلم من أعظم وأنجع وأنجح الأدوية أن تذكرهم بالدار الآخرة، فلا يهذب سلوك المؤمن ويقوم طريقه شيء -بعد توفيق الله- مثل ذكر الآخرة, من ظن وأيقن أن أمامه دار اللحود والبلاء, وأن بين يديه الموقف بين يدي الله جل وعلا, فإنه يدعوه ذلك أن يراقب الله في كل صغيرة وكبيرة.
قطيعة الرحم من أعظم الكبائر , وأعظم الذنوب وأجلها معصية لله علام الغيوب, ولذلك ثبت في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان إذا جلس في المجلس يقول: [أحرج بالله على قاطع رحمٍ, ألا يجلس معنا, وأن يقوم من مجلسنا هذا] فيقول: إني سمعت خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تنزل الرحمة على قوم فيهم قاطع رحم) إذا كان هذا فيمن جاور قاطع الرحم فكيف بقاطع الرحم -والعياذ بالله- ولذلك قال الله عز وجل فيمن قطع رحمه: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22 - 23].
يقال: إن الإنسان إذا قطع رحمه يصيبه الصمم وعمى البصيرة, بمعنى أنه لا ينتفع بموعظة يسمعها بأذنه -والعياذ بالله- ولا يعتبر بآية يراها بعينه, فيختم عليه تماماً والعياذ بالله, فهذه من ثمرات قطيعة الرحم.
ومن ثمراتها: أنك تنال إثم من قطعت وذلك إذا كان قريباً ولم تصله, فإن الله يحاسبك عن قطعه, لمَ قطعته؟ كذلك أيضاً من ثمرات قطع الرحم: أنك إذا قطعت الرحم فورثه الابن أو الابنة حملت وزره والعياذ بالله: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [العنكبوت:13] فاتق الله في الرحم، خذ ابنك وعوده زيارة الأقارب, وإذا كان رحمك لا يسلم عليك ويغضب عليك؛ فصله فكأنما تسفه المل كما قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! إن لي رحماً أصلهم ويقطعونني, وأحسن إليهم ويسيئون إلي, قال: إن كان كما قلت، فكأنما تسفهم المل) , فاعلم أنك الرابح وأنهم الخاسرون, وأنك الناجي وهم الهالكون.
أما الطريقة التي تعظ بها من قطع رحمه، أن تنظر إلى الأسباب التي من أجلها قطع الرحم, فإن كانت الدنيا فاقطعها من قلبه, وعلق قلبه بالله جل جلاله, وذكره بالأخوة وبالقرابة, قل له: أخوك وابن عمك وابن أختك وابن خالتك أوصاك الله جل وعلا به وهو من البر, تقطعهم من أجل شبر من الأرض يفرق بين الأخ وأخيه, ويفرق بين ابن العم وابن الخال وابن الأخ وابن الأخت، كل ذلك على شبر من الأرض, أصبحت القلوب مليئة بهذا كله, كان الرجل يتنازل عن بيته لأخيه المسلم فضلاً عن قريبه, يراه بحاجة إلى بيت فيتنازل عن ذلك البيت, فإنا لله وإنا إليه راجعون من ضعف الإيمان في قلوب الناس, ما بُلي الناس بهذه المصائب والجرائم إلا بسبب ضعف الإيمان في قلوبهم, فانظر إلى السبب الذي من أجله قطعت الأرحام, وذكرهم بالجنان والنيران, والموقف بين يدي الواحد الديان, وأعلمهم أنها حقوق لا يرضى عنها الرحمن, إلا إذا أديت على الوجه الذي يرضيه سبحانه الديان.
فكن -أخي في الله- على بصيرة في تذكيرهم بالله جل وعلا, فكم من نصائح تبذل لقطعة الرحم لا تفيد شيئاً, ثم خذ بالأسباب من اختيار الوقت الذي تؤثر فيه النصيحة والأسلوب المؤثر, نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعصمنا من الزلل, وأن يوفقنا في القول والعمل, والله تعالى أعلم.