الحقيقة أود أن يكون ختام حديثي لهذا المجلس المبارك كلمة.
أقول وبالله التوفيق: إن الله تبارك وتعالى قد جعل العبد مخيراً بين سبيلين: سبيل هدىً وسبيل ضلال، سبيل رحمة وسبيل عذاب، قال تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:3] فالعبد مخير بين السبيلين، وهو مذكر بالداعيين: داع إلى الجنة، وداع إلى النار.
والله عز وجل إذا أراد بالعبد خيراً ألهمه أن يصغي بسمعه لداعي الخير ومحبة الله عز وجل، وإذا أراد به شراً -والعياذ بالله- أصغى بسمعه إلى داع الهوى والردى.
إخواني في الله: كلمة أذكركم ونفسي بها بالله عز وجل: في هذا الزمان الذي عظمت فتنته، واشتدت محنتة، وأصبح العبد في محنة لا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى، قد كنا نصلي ويقول الإنسان في دعائه كما في الدعاء المأثور: (وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات) كنا ندعو بهذا الدعاء، وكما قال بعض العلماء من الفضلاء المعاصرين، قال: كنت أدعو وأقول كما ورد الحديث: (وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات) وأنا بقلب منصرف، ولا أحس بقيمة هذه الدعوة كما ينبغي، فلما رأيت فتناً عظيمة، ومحناً جليلة، أدركت عظيم هذه الدعوة، حتى إذا قلتها أصبحت أقولها وقلبي يستشعر معناها.
كلما تأخر الزمان جاءت الفتن وعظمت المحن، حتى أصبح الإنسان مخيراً بين الداعيين على الحقيقة، العبد يكون على صلاح واستقامة، فيخرج من بيته فيبلى بفتنة في السمع، والبصر، والقول، والعمل، وإلى الله المشتكى.
كسر لا يجبره إلا الله، ونقص لا يكمله إلا الله عز وجل، إنها (فتن كقطع الليل المظلم، يمسي العبد فيها مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا) ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!! فخير ما يوصى به المؤمن: أن يحس أنه لا نجاة ولا فلاح إلا بالاعتصام بالله تبارك وتعالى، والرجوع إلى كتاب ربنا، والاحتكام إلى أهداب شرعنا، وتحكيم ذلك في كل صغير وكبير، والسير على وفقه في كل جليل وحقير.
إخواني! تنكد العيش، وتنغصت الحياة، ووالله لم يعد للعبد صوان إلا بطاعة الله تبارك وتعالى، أظلمت الحياة وكانت قبل منيرة حينما كان الخير أكثر من الشر، ولكن عم البلاء وطم، وأمر لا يشتكى إلا إلى الله عز وجل.
المخرج: أن يحاول الإنسان قدر استطاعته أن يلوذ بالله تبارك وتعالى، وأن يعوذ بالله سبحانه وتعالى فإن الفتن وقعها على القلوب أشد من وقع الجمر على الجسد، إنها تكوي القلوب فتظلمها من بعد النور، وتعميها من بعد البصيرة، وتصرفها عن الخير إلى الشر.
ولكن أحبتي في الله! من أراد الله عز وجل له السعادة والتوفيق ألهمه أن يستبصر بالثقلين والنورين المباركين: كتاب ربنا، وسنة نبينا صلوات الله وسلامه عليه.
والله إن من دلائل النجاة -خاصة في هذا الزمان- الوقوف عند القرآن، والتأدب بآدابه، والالتزام بحدوده، ولا يغرنك قلة السالكين، وندرة الثابتين، فالموعد عند رب العالمين، وما على الإنسان إلا أن يسعى في فكاك نفسه من عذاب إله الأولين والآخرين.
من أراد الله عز وجل أن يغيثه من هذه الفتن والمحن شرح قلبه بالقرآن، فعاش مع آياته وعظاته، وارتاح لما فيه من الذكرى والعظة من رب العالمين {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصدُورِ} [يونس:57] فمن أراد أن يشفي الله صدره من الفتن، وأن يغيثه من المحن، فليلتزم بهذا الشفاء والدواء، ثم سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام، يتعلمها الإنسان، ويعلمها الغير، ويلتزم بها قولاً وعملاً، ظاهراً وباطناً.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن تثبت قلوبنا على طاعتك، وأن تشرح صدورنا لمرضاتك، وأن تجعلنا من خاصة عبادك المتقين، من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأن توفقنا لكل عمل يرضيك عنا، وأن ترزقنا التمسك بالسنة عند فساد الأمة، اللهم إنا نعوذ بك من حياة تبعدنا عنك، ومن حياة توجب غفلتنا عن ذكرك وشكرك، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، نستغفرك اللهم ونتوب إليك.
وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وعلى آله وصحبه أجمعين.