إنها المواعظ التي هي طريق إلى سعادة العبد، لا يستطيع الأب ولا تستطيع الأم أن تقوم بالموعظة إلا إذا كان هناك سلاح يتسلح به كل واحد منهما، ألا وهو العلم والبصيرة، والنور الذي يهدي الله عز وجل به من اتبعه سبل السلام {وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة:16].
ما أحوج الآباء والأمهات إلى معرفة جملة من الأحكام والأمور التي تتعلق بتعليم الأبناء والبنات، وتوجيههم وتربيتهم، ما أحوجهم إلى أن يسمعوا إلى سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهديه وإلى سيرته العطرة ومواقفه الجميلة الجليلة النضرة، كيف كان يأمر بالتوحيد؟ وكيف كان يغرس العقيدة في قلوب الصغار؟ (يا غلام! ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن؟ احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) الله أكبر! ما أعظمها من كلمات وقعت في قلب حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنه وأرضاه! حتى أصبح إماماً من أئمة الدين، قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه الكلمات التي هي من أسباب السعادة للعبد في الدنيا والآخرة.
(يا غلام! احفظ الله يحفظك) وهذا يجمع جميع أوامر الله ونواهيه، احفظ الله بفعل أوامره، واحفظ الله بترك نواهيه.
ثم يقول له عليه الصلاة والسلام: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله) فالمخلوق بين أمرين بين رحمة وعذاب، وبين نعمة ونقمة، فإذا كان في نعمة اعتقد الفضل كله لله، وسأل ربه أن يبارك له فيها، وإن كان في نقمة علم علم اليقين أنه لا ينجيه منها إلا الله وحده لا شريك له، الذي يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء سبحانه وتعالى، وعندها تهون عليه مصائب الدنيا كلها.
إنها المواعظ التي تذكِّر العباد بالله وتهديهم إلى صراطه جل وعلا، إنها المواعظ التي ابتدأها خير الواعظين سبحانه إله الأولين والآخرين، فوعظنا وذكّرنا في كتابه المبين، وسار على هذا النهج المبارك صفوته من الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.