الحمد لله الذي نزل على عبده الفرقان ليكون للعالمين نذيراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إنه كان بعباده خبيراً بصيراً، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: أيها الأحبة في الله! إن للمواعظ أمراً عظيماً في القلوب، كم نبهت من غافلين، وكم أرشدت من حائرين، كم هدت ودلت إلى صراط الله المستبين، المواعظ زاد القلوب وطمأنينتها، وسلوة الصدور وانشراحها، أحبها الله وحببها للصالحين، فجعلها قرة عيون عباده المؤمنين المحسنين، يا لله كم من قلوب خشعت، وكم من عيون من خشية الله بكت، وكم من نفوس اهتدت، وكم من أرواح على طاعة الله ثبتت، يا لله كم من كلمات طيبات مباركات خشعت لها قلوب المؤمنين والمؤمنات، وفُتِّحت لها أبواب السماوات! {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33].
الموعظة هي الكلمة الجامعة لخير الدين والدنيا والآخرة، الموعظة وصية الله للأولين ووصيته للآخرين: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131]، شرف الله المواعظ حينما وعظ عباده المؤمنين، فذكرهم بحقوق الدين، أخذ بمجامع قلوبهم إليه فذكرهم بما يجب عليهم، ونهاهم عما حرمه عليهم.
المواعظ شرفها الله جل وعلا يوم جعلها رسالة الأنبياء والمرسلين، فصدعوا بالحق وبما أمر به رب العالمين، المواعظ زاد القلوب وسلوة الأرواح، وسبب ثباتها على طاعة الله جل وعلا، فكم من مجلس ذكر حضره عاق فعاد تائباً! وكم من مجلس موعظة حضره شقي طريدٌ بعيدٌ فقام منه سعيداً! وكم من مذنب خطّاء كثير الذنوب عظيم العيوب آوى إلى الله في مجلس يذكِّر بالله فقام وقد بدِّلت سيئاته حسنات! يا لله كم من كلمات طيبات مباركات صلحت بها أحوال المؤمنين والمؤمنات! ما أحوجنا إلى كل كلمة تقربنا إلى الله، ما أحوجنا إلى كل كلمة تذرف بها العيون من خشية الله، ما أحوجنا إلى كل كلمة تُخشع قلوبنا لذكر الله، ما أحوجنا إلى المواعظ إذا خرجت من قلوب صادقة وألسنة موقنة محقة.